عبد الله درويش
يحكى أنّ صياداً أمسك بعصفور بعد أن اصطاده وأخذ سكينه وشرع بذبحه، ولشدة البرد والعواصف كانت عيناه تدمعان، وكان يراقب ذلك المشهد عصفوران صغيران، فقال أحدهما وقد كان ساذجاً: انظر إلى رقّة قلب هذا الصياد، إنه يبكي حزناً على هذا العصفور!
فقال له العصفور الآخر وقد كان حكيماً: لا تنظر إلى عينيه اللتين تدمعان، ولكن انظر إلى يده التي تذبح!
هذه هي حال جمهرة كبيرة من الناس اليوم إثر سقوط حلب بيد الميليشيات الإيرانية وواجهتها نظام الأسد.
إن الساذجين من الناس إن لم يكونوا حمقى ينظرون إلى النظام على أنه الذي خلصهم من الحصار الذي فرضه هو عليهم، وأنه حماهم من القتل الذي لم يترك سلاحاً للفتك بهم؛ وذلك فقط لأنه سمح لهم بالخروج عن طريق المعابر إلى مناطقه في حلب الغربية، ومن ثم العودة إلى ما تبقى من بيوتهم.
ولسذاجتهم وربما لغبائهم رقصوا على جراحهم وعلى دم الشهداء وعلى أنين المعتقلين، رقصوا وزغردوا لخلاصهم!
هذه نظرة ذلك العصفور الساذج للصياد وهو يذبح أخاه فقط لأنّ عينيه دمعتا من البرد.
أما النظرة الحكيمة للأمور فهي التمحيص بحقيقة الأمر وتوصيف الحالة التي نحن عليها توصيفا ًعقلانياً.
إن الإنسان العاقل هو الذي رأى المذابح والمجازر الفظيعة التي ارتكبها النظام وحلفاؤه ضد المدنيين، والعاقل هو الذي رأى الدمار الذي حلّ في حلب كلها، والعاقل هو الذي رأى الأطفال وهم يهربون من الخوف إلى الخوف، ويرى الأطفال الجياع، هو الذي يرى البيوت التي نهبت بعدما عاد لها “الأمن والأمان” الذي يدَّعيه النظام.
وفوق كلّ ذلك فإنّ العاقل هو الذي يرى ويدرك أنّ إيران قد حققت نصراً طائفياً في حلب، فإيران لها مطامع في حلب تختلف عن غيرها من المدن، إن إيران تهدف إلى إعادة حلب إلى العهد الشيعي الذي كان زمن الحمدانيين، فهي ترى أن لها الحق في السيطرة على حلب وضمها إلى ولاية الفقيه وعرش كسرى!
إنّ ما حدث من قتلٍ وتشريدٍ واعتقال ما هو إلا لتغيير التركيبة السكانية ولقدوم أناس من الشيعة ليستوطنوا الأرض بعد أن فرّغوها من سكانها.
إنّ بوادر هذه النوايا بدأت بالظهور من خلال حملات التشيّع وإقامة الحسينيات وزيارة قاسم سليماني، وإعلان الفرح بالنصر في معركة حلب في مساجد إيران، وكل ذلك وأبناء قومي رقود!
فإذاً ليس من الحكمة أن نبتهج بمكاسب مادية بسيطة هي من أدنى حقوق الإنسان، وننسى أو نتجاهل ما يحاك لنا من مؤامرات ويحضر لنا من أهوال.
وكما يقول محمد إقبال “على الفخّ يسقط من لا يطير، ومن لا يحلق فوق الغمام”.