نيويورك تايمز |
خلال السنوات الثلاث الماضية، كان هناك عاملان مؤثران بشكل كبير في أسواق النفط، الأول: هو زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذي حول البلاد من مستورد كبير للنفط إلى مصدر مهم.
والآخر: هو التحالف بين السعودية وروسيا، التي تعاونت مؤخرًا في خفض الإنتاج لمحاولة مواجهة تأثير النفط الصخري.
والآن بعد أن انتهى التعاون بين اثنين من أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم، الثالث هو الولايات المتحدة، اقترحت السعودية، بصفتها العضو المهيمن في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الأسبوع الماضي تخفيضات في الإنتاج لتعويض انهيار الطلب من انتشار فيروس كورونا.
روسيا، وهي ليست عضو في أوبك، رفضت المضي قدماً في هكذا ضفقة، وقد تحول المأزق إلى أعمال عدائية مفتوحة.
بعد محادثات مع أعضاء أوبك في فيينا، عاد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إلى موسكو لإجراء مشاورات يوم الخميس، في غيابه، التقى مسؤولو أوبك وتوصلوا إلى حد بلغ الإنذار النهائي.
ستقوم المجموعة ككل بخفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا، أو حوالي 1.5 بالمائة من المعروض العالمي.
أوبك، بمعنى السعوديين إلى حد كبير، ستجعل الجزء الأكبر من التخفيضات، مليون برميل، طالما قلصت روسيا وغيرها من المنتجين الباقي.
تقول (هيلما كروفت) المحللة في RBC Capital Markets: “إن المناورة كانت خطوة من نوع ما، لكنها جاءت بنتائج عكسية، لقد لعبت روسيا بجد للحصول عليها من قبل، لكن هذه المرة لم يكن السيد نوفاك مشاركاً في اللعبة.”
كانت الإجابة الروسية (لا) مرة أخرى، وعاد وزير النفط السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، ومسؤولون آخرون إلى فنادقهم دون أي نتائج أو بيان.
كانت المواجهة حدثاً مشؤوماً بالنسبة إلى الصناعة النفطية، لم يقتصر الأمر على فشل أوبك ومجموعة أكبر من المنتجين، المعروفين باسم أوبك بلس، في الاتفاق على تخفيضات جديدة، ولكنهم فشلوا أيضًا في التوقيع على تمديد اتفاق لخفض الإنتاج 2.1 مليون برميل يوميًا في الاتفاقيات السابقة التي ستنتهي صلاحيتها في النهاية آذار/مارس.
وقد خلق ذلك خطر تدفق النفط الهائل إلى السوق التي كانت تعاني أصلاً من زيادة كبيرة في المعروض وتعاني كذلك من انخفاض حاد في الطلب.
قال السيد (نوفاك) بعد الاجتماع، وفقًا لوكالة رويترز: “اعتبارًا من 1 أبريل، لا يتعين علينا نحن أو أي دولة أوبك أو خارج أوبك إجراء تخفيضات في الإنتاج”.
رد السعوديون بإخطار المشترين يوم السبت بأنهم سيقدمون تخفيضات كبيرة على مبيعاتهم النفطية لشهر أبريل.
من المحتمل أن يتبع تخفيضات الأسعار المنتجون الآخرون في المنطقة مثل حلفاء السعوديين الكويت والإمارات.
وقال المسؤولون السعوديون: “إن القصد من ذلك هو خلق المزيد من الطلب على نفطهم مع انخفاض الأسعار.”
وينتج السعوديون حوالي 9.7 مليون برميل يوميًا وتشير وكالة الطاقة الدولية، وهي منظمة مقرها باريس تقدم المشورة للحكومات والصناعة، إلى أنه يمكن للسعوديين إنتاج أكثر من مليوني برميل إضافي، في حين إن الكويت والعراق والإمارات العربية المتحدة يمكن أن تضيف مليون برميل آخر يوميًا.
فزع السوق من هذا الطوفان المحتمل من الخام كان واضحاً، ففي يوم الإثنين، انخفضت الأسعار بأكثر من 30 في المئة وبحلول فترة ما بعد الظهيرة، تعافى سعر برميل نفط برنت، المقياس الدولي، إلى نحو 36 دولارًا للبرميل، وهو ما زال منخفضًا بنسبة 21 في المائة.
وقال (نيل بيفريدج) المحلل في شركة بيرنشتاين لأبحاث السوق: “كان السوق يعتمد فعلاً على هذا التحالف بين أوبك وروسيا”. وأضاف أنه “يبدو أن هذه العلاقة غرقت بسبب عدم وجود دعم.”
ورغم وجود احتياطيات نفطية هائلة، إلا أن روسيا والسعودية قلما رأيا طريقهما إلى التعاون.
في سيرته الذاتية (خارج الصحراء) يروي (علي النعيمي) وزير النفط السعودي منذ فترة طويل، أنه “عشية ما أصبح اجتماع أوبك الحاسم في نوفمبر 2014، التقى السيد نوفاك لطلب المساعدة في التعامل مع تزايد تخمة النفط.”
شارك في المحادثات (إيغور سيتشين) وهو شريك مقرب من الرئيس (فلاديمير بوتين) والرئيس التنفيذي لشركة روسنفت، أكبر شركة نفط روسية.
يقول السيد (النعيمي): “إن الروس رفضوا المضي قدماً، وقام بتعبئة أوراقه وغسل يديه من محاولة لتحقيق الاستقرار في السوق من خلال التخفيضات.”
تسبب انخفاض السعر إلى أقل من 30 دولارًا في إعادة التفكير إلى عقول الروس، وأقنع الروس في النهاية بالاتحاد مع السعوديين. نشأ نوع من التوتر بين السيد (نوفاك، وخالد الفالح) الذي خلف السيد النعيمي وزيرًا للنفط السعودي في عام 2016.
وضع الاثنان على ما بدا كأنه قناع الصداقة خلال مؤتمرات أوبك الصحفية، لكن كانت هناك توترات، ولمَّح الروس لمدة عام على الأقل إلى أنهم كانوا متعبين من هذا الترتيب، الذي حد من نمو شركات النفط مثل روسنفت.
مع استمرار ارتفاع الإنتاج من النفط الصخري، كان على أوبك وحلفائها الاستمرار في خفض الإنتاج.
وقال (بوشان بحري) مدير أول في شرك IHS Markit وهي شركة أبحاث: “يمكنهم رؤية سلسلة لا نهائية من التخفيضات في المستقبل” مضيفاً: “لقد أرادوا العودة إلى النمو بدلاً من مواصلة هذا الترتيب مع السعوديين.”
من جانبهم، استوعب السعوديون معظم التخفيضات لإبقاء روسيا ملتزمة بالاتفاق، وهو الموقف الذي زاد من حدة التوتر. بالإضافة إلى ذلك، تم طرد السيد (فالح) في العام الماضي من قبل ولي العهد الأمير (محمد بن سلمان) وحل محله الأخ غير الشقيق للأمير الأمير (عبد العزيز) وهو مسؤول نفطي مخضرم، ولكن لا يبدو أن لديه علاقة حميمة مع السيد نوفاك بأن السيد فالح يتمتع بها.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن سماسرة السلطة مثل السيد (سيتشين) في موسكو يغيرون رأي بوتين ليكون بالضد الصفقة السعودية. كان السعوديون يضغطون من أجل إجراء تخفيضات منذ أوائل فبراير على الأقل، حيث أصبح من الواضح أن فيروس كورونا سيصيب الطلب بشدة.
جادل الروس أيضًا في الاجتماعات بأن هناك فرصة لإلحاق الضرر بصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، التي أضرت بكلا المنتجين الكبار.
كما أنشأت روسيا صندوقًا بقيمة 570 مليار دولار تأمل موسكو أن يؤدي إلى تهدئة البلاد من خلال مجاعة عائدات النفط.
قد تضر روسيا بصناعة النفط الصخري الأميركي، ولكن بتكلفة كبيرة.
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج النفط الصخري قد ينخفض في بيئة تبلغ 40 دولارًا للبرميل، لكن حرب الأسعار تنطوي على مخاطر كبيرة للعالم، بما في ذلك حرمان الدول المنتجة للنفط من الموارد المالية لتمويل البرامج الاجتماعية كالرعاية الصحية، في وقت يتعرض فيه العالم لتهديد فيروس كورونا.
وقال (فاتح بيرول) المدير التنفيذي للوكالة: “لعب الروليت الروسي في أسواق النفط قد يكون له عواقب وخيمة”