جاد الغيث |
هكذا وصلتني الرسالة الصوتية الممزوجة بالدموع والحسرة، وكان الصوت لعبد الرحيم صديقنا في حلب الشرقية، صديق الحصار والرعب الذي وضع سيارته في خدمتنا أيام عملنا في الإعلام.
عمار بريء! مع أنه قتل في صفوف جيش النظام، ولكنه حقًّا بريء!
سيق عمار إلى لخدمة العسكرية عنوة من اليوم الأول لدخوله حلب الغربية. عمار وعبد الرحيم أخوان لعائلة صغيرة مرَّت بأصعب وأقسى الظروف في فترة حصار حلب الشرقية، وصمدت طوال السنوات وذاقت من ويل رعب البراميل المتفجرة ما لا يمكن وصفه!
وفي الأيام الأخيرة لحلب الشرقية حيث كثف النظام وروسيا قصفهما على المدنيين وصار الموت تحت الأنقاض أو بشظية أو قذيفة لا يمكن أن يسلم منه أحد إلا من نجاه الله.
ما يقارب من ربع مليون إنسان تجمعوا في ثلاثة أحياء بعد أن سقطت الأحياء الكبيرة في حلب الشرقية بيد قوات النظام، عندها قررت العائلة أن تغادر باتجاه حلب الغربية حيث تسيطر قوات الأسد، لم يعد هناك مجال للصمود، فالأحياء المتبقية ساقطة بيد النظام لا محالة والخيار صار محصورًا بين أمرين أن تنتظر الموت حتى يأتي إليك أو أن تذهب إليه، وهذا قبل أن يكون هناك اتفاق للخروج عبر الباصات.
قبل ذلك بأيام كان الكثير من المدنيين قد دخلوا بسلام إلى حلب الغربية وراحوا يتصلون عبر الجوال بأصحابهم وأقاربهم يخبرونهم بأن قوات النظام متسامحة لأبعد الحدود مع من كانت تصفهم بالإرهابيين! وكان هذا فخًّا وقع به الكثيرون ومنهم عائلة عبد الرحيم.
من اليوم الأول سيق الأخوان عمار وعبد الرحيم إلى خدمة العلم، وبعد أيام اعتقل الأب الذي تجاوز الخمسين بتهمة الإرهاب.
لاقى والد عمار صنوفًا من العذاب لا يمكن احتمالها والصورة التي وصلتني لجسده المدمَّى الذي لا يخلو من حفرة نازفة أو بقعة زرقاء متورمة، مضى على التقاطها أسابيع بعد العلاج والراحة، فكيف كان حال الأب ساعة خروجه من المعتقل؟! وما يزيد الأمر قهرًا أن العائلة دفعت كل ما تملك لإخراج الأب المعتقل من السجن.
كان عمار يعمل حارسًا ليليًّا لمؤسسة إعلامية وأخوه عبد الرحيم يهرع لخدمتنا في ساعات القصف العنيف، حيث نسابق الوقت بسيارته للوصول إلى مكان سقوط البرميل المتفجر وتوثيق الحدث بالصور والفيديو المباشر.
عمار وعبد الرحيم شابان ثائران وقفا طويلاً ضد الظلم، لكنهما اليوم في أرضي سيطرة النظام المجرم!
قضى عمار بشظية اخترقت رأسه وهو مع جيش النظام في جبهة تماس مع الجيش الحر، وصار شهيدًا، فهو لم يطلق من بندقيته ولو طلقة واحدة في الهواء، كانت الجبهة باردة طوال الفترة الماضية، وحين أشعلها الجيش الحر كان عمار الشهيد الأول في نقطة التماس، لربما يشفع له ذلك، ولربما كان شهيدًا على يد صديق له مرابط في الجهة الأخرى!
حين تركنا حلب الشرقية ظلمنا أنفسنا وعدنا من حضن الوطن إلى حضن الجلاد فقتلنا وقتلنا، كان ينبغي ألا نترك حلب الشرقية ونصنع من أجسادنا سدًّا لحمايتها، ولكننا خرجنا مرغمين، ولو أن عائلة عمار لم تذهب إلى حلب الغربية حيث نظام الأسد لما حدث لهم ما حدث، ولو أنهم صبروا لكانوا معنا.
هنا في إدلب، آخر ما تبقى لنا من أرض الثورة، لكن ما نفع لو الآن وهي التي تفتح عمل الشيطان؟!
عمار شهيد، وأمه تتمنى من كل من يعرفه أن يدعو له بالرحمة والمغفرة، ولديه ابنتان جميلتان، وزوجته صارت أرملة، وأبوه مازال يتألم من أثر سياط الجلاد،
وأمه لن يجفَّ دمعها، الذل والقهر يخيم على العائلة، وربما في سرها تقول ما أجمل أيام الحصار! وما أرحم قصف البراميل!
1 تعليق
عمر
الله ثبت اقدامنا واحسن ختامنا
مهما حاولت عزيزي الكاتب ان تخفف من هول جريمة عمار ولو ارغم على الخدمة فيبقى في صف الظالم