منذ أن أضرمت نار الحرب أجبر الرجال على ترك أعمالهم ولو لفترة مؤقتة بسبب قصف أو خراب أو عجز أو تشريد، وإن تعددت الأسباب فالنتيجة واحدة.الأمر الذي دفع بالآباء إلى زجِّ أولادهم في سوق عمل كبير يكاد أن يبتلعهم، مضوا يعلمونهم حرفًا لا تتناسب وعمرهم أو بنيتهم الجسمية من أجل دراهم معدودة متناسيًا بذلك أن الرزق واحد، وأن ما كتبه الله له سيأتيه ولو على ضعفه، لكنَّ قلة حيلته منعته عن التفكير بمصدر رزق بديل جديد يضمن له حياة كريمة، أو أنه أراد الراحة ونعيمها مضحيًّا براحة أولاده ومستقبلهم.ويبقى عمل الأطفال أخف وطأة من قذفهم في الشارع ليصبحوا متسولين. هذا يمنحهم، وذاك يزجرهم، وتلك تنظر إليهم نظرة التعطف فتغدق عليهم الأموال والعطايا، وهؤلاء يجعلون منه سخرية.وهو يدور شوارع المدينة الممزقة سائلا هذا وطالبا من ذاك، ناظرًا إلى ما بين أيديهم من مأكولات ومشروبات متمنيًا الحصول عليها. ينظر بعين الحسرة إلى أطفال هم بعمره خارجين من مدرستهم، ملابسهم نظيفة والفرحة تغمر وجوههم وهو بائس يائس.نحن لا ننكر أنَّ البعض قد اضطرتهم الظروف وأجبرتهم ونالت منهم قسوتها ولم يبق لهم سبيل إلا التكسب بعمل أطفالهم الصغار، لكن هل كلهم دفع أولاده للعمل أو لنقل التسول بدافع الحاجة والعجز أو أنَّ أغلبهم كان السبب الأكبر هو الطمع والجشع.الأطفال رونق الحياة وبسمتها، والمتضرر الأكبر من هذه الحرب إذ إنهم فقدوا بها طفولتهم وفرحة أيامهم التي لا أظن أنها ستعاد، فلكل مرحلة فرحها وطقوسها.لذا لا بد لنا من حل ينتشل أطفالنا من ذاك المستنقع النتن، لا بد لنا من حل ينعم به أطفالنا بواقع أفضل، لا بد لنا من حل يرسم ابتسامة على وجوه أطفالنا، لا بد لنا من حل يمنحهم حياة كحياة ممن هم في أعمارهم.نور العلي