“قتلتُ ابني ببرود” عبارة ذكرتها أمُّ سليم بألم عندما كانت تروي لنا حادثة موت ابنها محمد شنقاً! أمُّ سليم كانت تعمل وزوجَها في مهنة التدريس فتضطر إلى أن تغيب عن بيتها وولديها ساعاتٍ طويلة، إلا أنّها كانت تحرصُ على تأمينِ جوٍّ من التسلية لهم، وكان التلفاز الأداة الوحيدة المساعدة على ذلك، لكن لم تنتبه أمُّ سليم إلى ماهية البرامج أو المشاهد التي يقع ناظر ابنها محمد عليها، حتى عادت يوماً من عملها لترى رقبة ابنها مربوطة بحبل مشدود إلى السقف واللون الأزرق ملأ وجهه، أما قدماه فكانتا تتدليان في الهواء الطلق، جمعت الناس بصراخها، ثم أسكت صديق ابنها الراحل سؤالها عن سبب فعلة محمد بإخبارها أن فقيدها كان يتساءل البارحة كيف عُلِّق “نصار ابن عريبي” دون أن يموت؟!
ومنذ ذلك الوقت وأمُّ سليم تبكي على ابنها الذي قُدر له أن يقع ضحية تغافلها عن المحتوى الذي تابعه ابنها في التلفاز.
تغافل الأهالي عمَّا يتابعه أولادهم في التلفاز ازداد في الفترة الأخيرة وذلك لانشغالهم إما بمشاكل الوضع الراهن أو بعمل آخر يغيبهم لوقت عن أولادهم، فاعتمدوا التلفاز كوسيلة ودية لإرضاء صغارهم متناسيين أن أولادهم لايزالون في سن حساس، فأي شيء يرونه بهذا العمر أو يحتكُّون به يكونُ سبباً في نمو شخصيتهم على أساسه ومنعكساً مباشراً في تشكيل تصرفاتهم. وبدأت النتائج السلبية تظهر على أرض الواقع، فالدراسات تشير إلى أن أغلب حالات السلوك العدواني لدى الأطفال سببها التلفاز والبرامج الكرتونية، بالإضافة إلى الكشف عن نسبة 1%من حالات التوحد للأطفال سببها التلفاز، حيث بدأت أعراض الحالة تظهر عليهم من عمر السنتين.
تقول مستشارة الدعم النفسي (نسيبة العبد): “من الخطأ أن يقضي الطفل ما بين 5 أشهر إلى السنتين ساعات طويلة أمام التلفاز، وإلا فلن ينطق أبداً، فأمام التلفاز فقط يسمع دون أن يجرّب أعضاء النطق لديه، والأفضل له أن يحتكّ بأشخاص يتلقى كلامًا، وفي الوقت نفسه يحاول أن يتكلم”. وأكدت العبد أن الآثار السلبية ليست مقتصرة على الأطفال الصغار فحسب بل على جميع الفئات العمرية لكن بأشكال أخرى.
لم يكن السلوك العدواني والكسل والسمنة وضرر الرؤية وبعض حالات الاكتئاب هي فقط النتائج السلبية، إلا أن هناك شكاوى تدور حول احتواء بعض الأفلام الكرتونية مشاهد تخدش براءة الأطفال، واحدة من المشتكين تقول: تعلق ابني كثيرًا ببرنامج سبونج بوب وبقناة cartoon” network” لدرجة أنني عندما أغيب عنه لا يكترث مطلقاً. وذات يوم عدت من عملي مبكرًا فلمحته يتابع مشهدًا كرتونيًّا لا أخلاقي، فبعد أن راقبت القناة اكتشفت أن البرامج التي تعرضها تلك القناة تحتوي مشاهد لا تتناسب مع عمره إطلاقًا”.
بعض قنوات اليوتيوب مثل “مكتبة الأسرار” و “حقائق وأسرار” ضبطت كثيراً من هذه المشاهد فقامت بإعداد فيديوهات توعوية مرئية نشرتها على اليوتيوب بهدف إرشاد الناس وحماية عقول الأطفال وما يميز هذه الفيديوهات أنها معروضة بطريقة تبعد المتلقي عن الملل وملحوقة في الوقت نفسه بالأدلة والبراهين.
أما بالنسبة إلى حالات الاكتئاب والسلوك العدواني وغيره من الحالات التي أدت إليها المتابعة اللانظامية للتلفاز فيمكن التعامل معها بطرق متعددة، تقول مديرة مركز نقطة بداية فاطمة زيدان: “لدينا مجموعة كبيرة من الأنشطة نطبقها مع الأطفال لتحقيق أهداف تربوية وتعليمية، فنحن نهدف إلى تقويم سلوكهم وتحسين تصرفهم من خلال خلق جو من المرح والتسلية، وتلك الأنشطة تعلمهم التعاون وحبّ الآخرين والنظافة وغيرها من القيم المحببة، وأيضا لدينا برنامج مهارات والديّة للأهالي”
ستبقى أم سليم تتألم على ابنها كلما لمحت صدفة المشهد الذي حاول ابنها تقليده، وكلما دخلت منزلًا ورأت أطفاله مجتمعين حول التلفاز تبدأ بتنبيه الأهالي وتعيد السيناريو الحزين نفسه، ربما ستكون الحادثة التي حصلت معها تنبيهًا للكثيرين ليراقبوا أولادهم جيداً.