غسان دنو |
مايزال يُعاني أهالي إدلب وريفها من القصف المستمر على بلداتهم وقراهم، ومن التهجير القسري الذي طال مئات الآلاف لاتباع النظام سياسة الأرض المحروقة ومحاولته إخضاع المنطقة كلها بالحل العسكري، لكن ثمة معاناة أخرى تكشفها صحيفة (حبر) من خلال معاملة النظام السوري لأبناء محافظة إدلب بعنصرية تامة ممَّن يذهبون إلى مناطق سيطرته مضطرين لتوثيق حالات الزواج والولادة والوفاة لأسباب تخصهم.
صحيفة حبر التقت إحدى العائدات مؤخراً من مدينة حماة إلى إدلب لتروي معناتها خلال فترة شهر قضته في حماة لتثبيت زواجها واستلام أوراق تخرجها من المعهد، كما أن هناك من طلب منها تسجيل أولاده في نفوس النظام.
تقول الآنسة (يسرى): “معاناة كبيرة لكل شخص يأتي من إدلب إلى مناطق النظام وخاصة في حماة التي تحوي العدد الأكبر منهم، وأنا عانيت حتى استعطت الحصول على أوراق تخرجي من أحد المعاهد التي درست فيها، وكنت مضطرة لتقبل الأمر مع معرفتي التامة بسوء معاملة موظف المعهد.”
وفيما يخص تجربتها بتسجيل أطفال لأقربائها في النفوس أوضحت بقولها: “عانيت خلال تسجيل حالتي ولادة (لأختي وأخي) وخاصة مع موظف باعني طوابع لا تلزم في المعاملة (من باب الاحتيال) لكني أعدتها بعد جدال دار بيننا وعلى مضض منه.”
لكن المعاناة الأكبر كانت في رحلة الرجوع إلى إدلب التي تجلت بها عنصرية النظام بأحقر صورها، تضيف يسرى: “عند وصولنا إلى حاجز الفرقة الرابعة بعد مدينة حلب، طُلب من أهالي إدلب الوقوف جانبًا، وبدأوا بتفتيشنا بشكل دقيق فقط لأننا من إدلب، وأخبرونا أنه في حال دخلنا إدلب الآن لن يُسمح لنا بالخروج أبدًا فيما بعد، مهددين بإطباق الحصار علينا بالتوازي مع الحملة الشرسة التي يشنها النظام حالياً.”
وتردف بقولها: “كما فتشوا الجميع بحثًا عن أي مبلغ مالي يتجاوز 100 ألف قائلين: كل ليرة فوق مئة ألف سيتم مصادرتها، في قانون جديد سنه النظام وأزلامه للتضييق على الشعب.”
وتضيف (يسرى): “لقد قاموا بإعادة الخارجين من إدلب معنا في الباص نفسه بقولهم: “كل شخص يحمل هوية إدلب يرجع ما في طلعة”.
وحدثتنا الآنسة (يسرى) بشهادتها على معاناة سيدة من أهالي بلدة سرمين ومعاناتها في حماة لتحصل على شهادة وفاة لزوجها وابنها، فبعد جهد وتعب شاق ليومين على الطريق من إدلب إلى حماة هناك، نصح المختار (من أهالي إدلب) أم محمد بأن تسجل حادثة الوفاة بسبب (صاروخ إرهابي) لكي يوافق الوضع في إدلب فيما يبدو لتدفع له مع أن الوفاة نتيجة قصف من قبل مليشيات الأسد.
تقولُ الشاهدة التي رفضت الكشف عن اسمها لأسباب خاصة عند لقائنا معها حتى لا تضرر أم محمد وغيرها: “بما أن (أم محمد) تحتاج شهودًا على حادثة الوفاة والدفن وليس لديها أقارب في حماة كانت تطلب من أي شخصين موجودين في الدائرة الصعود معها وتقديم الإفادة، لكنها لم تنجح بإقناع أحد فالكل يخاف من أن يشهد على حادثة موت إرهابيين من إدلب.”
وتضيف تلك الشاهدة التي قبلت الوقوف مع أم محمد: ” عرضت أم محمد مبلغ مئة ألف ليرة على أحدهم، لكنه رفض خوفاً من تعرضه لاستجواب من قبل الموظف الأمني،
فالموظفون في دائرة نفوس إدلب المفتوحة في حماة يبدؤون بطرح الأسئلة كيف قتل وأنتم أهالي إدلب إرهابيين وخاصة الموظف الأمني المختص بأهالي إدلب.”
وتختم الشاهدة بقولها: “عدنا سوية إلى إدلب ولم تنجح بتثبيت الوفاة.”
ورصدت صحيفة حبر إعلانًا محليًا لإحدى شركات النقل الداخلي مطلع هذا الأسبوع جاء فيه: “رحلة إلى حماة وحلب ودمشق يوم الثلاثاء ما عدا من يحمل هوية إدلب وريفها، ودمشق وريفها” حيث يمنع حاجز النظام أهالي هذه المناطق من العبور.
وهنا تنكشف كذبة المعابر الإنسانية التي افتتحها نظام الأسد لسكان مناطق إدلب وريفها، مدعياً تسوية الأوضاع وتأمين المأوى والغذاء لهم.