سيرين المصطفى |
أعلن النظام السوري في 2 آب/أغسطس عن هدنة تحت اسم: (وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد بإدلب) بعد أن مضى على الحملة العسكرية الأخيرة على ريفي إدلب وحماة أكثر من 70 يومًا. إلا أن الهدنة لم تتجاوز الثلاثة أيام؛ لأن شرط النظام كان أن تنسحب قوات الفصائل المعارضة بمقدار عشرين كيلو مترًا، لكنها رفضت، فخرق النظام السوري الاتفاق.
ورغم أن الناس صاروا على دراية كاملة بحقيقة النظام وطبيعة نقضه للعهود والمواثيق، إلا أنهم نزلوا خلال أيام الهدنة إلى قراهم ومدنهم، إذ قاسوا خلال فترة النزوح أقسى أنواع المعاناة النفسية والمادية، لكن لم تكتمل فرحتهم؛ لأن النظام عاد بقتله وتنكيله إلى مناطقهم برًّا وجوًّا.
تصف أم محمد (25) عامًا من قرية كفرسجنة بريف إدلب الجنوبي لصحيفة حبر منظر القرية أثناء الهدنة بقولها: “يا الله ما أجمل ذلك المشهد! يُنعش القلب، الدراجات النارية والناس ملؤوا الشوارع، رأيت السعادة واضحة على وجوههم، السيارات كانت محمَّلة بالأدوات المنزلية. بالبداية ذهبت وزوجي بواسطة الدراجة النارية، فرأينا أصحابًا ومعهم نساؤهم، كانوا ويتكلموا مع بعضهن بضحك: (اشو لوين) والأخر يرد: (ماتم شيء، هدنة الحمد الله خمس سنين أو الله عليم) الكل صار يقبل حيطان بيته مني وجر؛ لأننا شعرنا بقيمتها، وعلى الواتس احتلت الدبكة والفرح حالات الناس”.
تروي الحاجة (فطمة) مبتدئة الحديث بقولها: “ما لحقنا نتهنى، دوبن يومين قعدناهم”. ثم تكمل: “قضينا خارج المنزل مدة ثلاثة أشهر، كان الانتظار والأمل بالعودة هو قوتنا اليومي، بعد بدء الهدنة بيوم، عدنا إلى البيت، لنتفاجأ أنه متأثر بشكل كبير بالقصف، وهناك بعض الركام في أرضه والتشققات تغزو جدرانه، بجانب الغبار الذي غطاه ممَّا تطلب منا يومًا كاملاً من العمل لتنظيفه وترتيبه، ثم في اليوم التالي انطلق الأولاد ليتفقدوا (المقتاي) وهي الأرض المزروعة بالخضار من الجبس والبطيخ والبندورة والعجور والتين، لكن القصف عاد إلى سابق عهده في اليوم الذي تلاه”.
وروى أبو عيسى (50) عامًا من قرية (حيش): “بعد أن أكدوا لي من بقي هناك أن الوضع آمن، انطلقت من الصباح الباكر باتجاه أرضي حيث شجري وكرمتي، لا يمكن لأحد أن يتخيل شعور الشوق الذي كان ينتابني خلال النزوح، إذ اعتبر بيتي وأرضي كأفراد من عائلتي وأولاد قلبي، لكن يا حسرة عادوا وقصفوا، وابتعدت عنهم مجددًا، عسى الله أن يرزقنا فرجًا قريبًا”.
وتسرد عيوش 40 عامًا: “رجعت إلى المنزل، فرايته بحالة يرثى لها بسبب الفئران، التي كثر عددها مع غيابنا عنه، والغبار كثيف ورائحته غير مقبولة، فهممت بتنظيفه لحظة وصولي، قبل أخذي لنفسي، وكنت مع كل حركة أثناء التنظيف أشعر بالسرور متمنية في قلبي أن تدوم تلك النعمة عليَّ، تلك أول مرة أشعر بمذاق لذيذ للتعب الذي أناله بعد كل عملية تنظيف”. توقفت بعد أن تأوهت ثم قالت بحسرة: “لم أمضِ 24 ساعة فيه؛ لأن الراجمة بدأت بضرب قريتنا”.
تحت رحمة النزوح غير الموجودة، وفي رحاب القرى وكثرة التساؤلات التي تنهش كيان النازحين كل يوم، الناجمة عن أحداث المعارك والقصف الذيَن تتعرض لهما مناطق ريفي إدلب وحماة، يعيش أولئك الناس على أمل العودة إلى بيوتهم في أقرب وقت ممكن، لينطبق عليهم قول الشاعر أبو تمام:
كم من منزل يألفه الفتى وحنينه أبدًا لأول منزل