منذ زمن لم يتعرض القلم لنفحات الكتابة، ورمضان أحدها، شهر يصوم فيه المسلمون عن الطعام والشراب منذ طلوع الفجر إلى غياب الشمس، والصيام كما يقولون هو صيام الجوارح عن كل معصية أو أذية، هو استرداد للأخلاق التي ضعفت أو فتُرت، تذكرٌ للجائعين والمحتاجين … وأشياء كثيرة يمكن أن نعيد ذكرها كل عام.
ولكن ما هو الصيام الذي نبحث عنه، وأي فكرة هذه التي نكررها ثلاثين يوما في كل سنة، ونشتاقها، ونستعيد ذكرياتها، وندعو لها بالقبول، ونسأل الله أن يبلغنا إياها.
لعل الإجابة تكمن في التقوى التي ختمت بها آية الصيام في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
التقوى: هي غاية السلوك الإنساني الذي يتصف بالخير تجاه الشر، تُعرَّف أنّها رأس الفضيلة، وعمدة الإصلاح، وجذوة الأخلاق، وغاية الأديان.
ما يفعله الصيام أنه يدربنا على التقوى في كل عام، ليس بالابتعاد عن الطعام والشراب وفعل الخير، وإنما بتربية الوازع الداخلي، والرقيب الذاتي، الذي يجعل الإنسان في رمضان أكثر التزاماً بالخير وابتعاداً عن الشر من تلقاء نفسه، دون أن يوجهه أحد، أو يراقبه، أو أن يحظى بمكافأة أو يخاف من عقوبة.
هذه هي التقوى .. أن تعتاد على رقابة نفسك لتصل إلى الخير، ولتترك بينك وبين الشر مسافات لا تود أن تقطعها، ولكي تستحضر كل خلق نبيل، وتبتعد عن كل عمل مشين، فأنت من يستاء من ذلك في رمضان، وليس الآخرين، حتى وأنت تدفع عن نفسك السوء، تكون تقياً مخافة أن تقع بمثله، فتقول إني صائم
هذا هو الصيام الذي نريده .. تقوى نعيشها ثلاثين يوماً من أجل عالم مليءٍ بالفضيلة .
تقبل الله منا ومنكم تقاةً لا تنقطع .
المدير العام | أحمد وديع العبسي