ندى اليوسف |
في السَّادس والعشرين من نيسان عامَ ١٩٨٦ م استيقظَ العالمُ على أسوءِ كارثةٍ بشريَّةٍ في التَّاريخ والعالم ألا وهي كارثة” تشرنوبل”.
تلك الكارثةُ التي لاتزال ذكراها حيَّةً حتَّى الآن، لا بما خلفته من أضرارَ مادِّيَّة فحسب بل بما تركته في نفوسٍ عاشَت تلكَ الكارثةَ وفقدَت موطنها وأعزَّ النَّاس على قلبها.
وقعَت تلك الكارثة في القسم الرَّابع من مفاعل محطِّة تشرنوبل الواقعة بالقرب من مدينة “بيربيات” الأوكرانيَةِ التي كانت تابعةً للاتحادِ السُّوفيتيِّ آنذاك.
وكان سبب الكارثة أنَّ مجموعة من الشَّباب من ذوي الخبرة المحدودة قاموا بإجراء تجربةٍ على المفاعل فحدثَ خطأ لم يتمكنوا من احتوائه ممَّا أدِّى إلى انصهار قلب المفاعل وحدوث انفجارين بسببِ اشتعالِ النِّيرانِ في المفاعلِ الرَّابع بالكامل.
وقالت الأمم المتحدة إن عدد القتلى تجاوز أربعة آلاف، بينما أكدت منظمات حقوقية أخرى أن العدد الإجمالي يتراوح بين 10 آلاف و90 ألف شخص.
وعلى الرَّغم من خطورةِ الحادثةِ إلا أنَّ السُّلُطاتَ السُّوفيتيَّةَ الرَّسميَّةَ لم تعلن عنها، ولم يتمَّ الإعلانُ عنها إلا عندما اكتشفَت السُّويد ذلك بسببِ وصولِ الإشعاعاتِ إلى محطَّتها النَّوويَّة، فاعترفَ الرَّئيسُ السُّوفياتيُّ غورباتشوف بذلك.
وقد كانَ حجمُ الكارثةِ كبيراً جدًا، فقد وصلَت الإشعاعاتُ النَّوويَّة إلى الدُّول المجاورة كتركيا والسُّويد ورومانيا وبولندا، كما خلَّفَت الكارثةُ أضراراً بيئيَّةً وبشريَّة، حيث لوَّثَتِ الإشعاعاتُ التُّربة ونهر “الدَّينبر” الذي يمدُّ السُّكان بالمياه الصَّالحة للشِّرب.
كما تسرَّبَت الإشعاعاتُ إلى المياه الجوفيَّة وتم إخلاء مدينتي” بربيات “و”تشرنوبل”
وتعطَّلت المصانعُ والمزارعُ وبلغَت الخسائرُ أكثرَ من ثلاثِ ملياراتِ دولار، كما قُدِّرَ عددُ الضَّحايا بأكثرَ من ثمانيةِ آلافِ شخصِ، ولكنَّ العددَ الحقيقيَّ تجاوزَ التِّسعة آلافِ بسبب إصابة السُّكان بسرطانِ الغُدَّة الدَّرَقيَّة، بالإضافة إلى أنَّ أضراره على سكَّان تلك المناطق لا تزال موجودةَ حتَّى الآن بسبب تشوِّه الأجنِّة.
ولم تقتصر أضرارُ الإشعاعاتِ على البشرِ بل طالَت الحيواناتَ أيضاً، إذ إنها تعرَّضَت لتغيُّراتِ في حمضها النَّوويِّ.
وقالت منظمة السلام الأخضر إن حوالي 93 ألف شخص ماتوا متأثرين بالإشعاعات، في حين سجلت المنظمة الطبية الألمانية ضد الحرب النووية إصابة أربعة آلاف شخص بسرطان الغدة الدرقية.
وأكدت إحصائيات أوكرانية رسمية أن 2.3 مليون من سكان البلاد لا يزالون إلى اليوم يعانون بأشكال متفاوتة من إشعاعات الحادث.
وتسببت كارثة تشرنوبيل، أيضا، في تلوث 1.4 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في أوكرانيا وبلاروسيا بالإشعاعات الملوثة.
ومع كبر حجم الكارثة إلَّا أنَّ جشع الدُّول بالحصول على النَّوويِّ لم يتوقف، فلا تزال الدُّول القويَّة تحاولُ الحصولَ على أكبر قدرٍ من التكنولوجيا النَّوَويّة برغم خطورتها الكبيرة على الإنسان بشكل خاص وعلى كل ما حوله بشكل عام.
ولا نعرفُ كم شخصٍ سيموتُ بسببِ هذه الإشعاعاتِ ولن نعرفَ فيما إذا كانت كارثةُ تشرنوبل هي الأخيرةُ في عصرٍ بلغَت فيه عددُ المفاعلاتِ النَّوويَّةِ أربعمئة مفاعلٍ نوويٍّ