عبد العزيز العباس |
بعد أن أثار كتابه في الشعر الجاهلي زوبعةً من النقد العارم، جرّب (طه حسين) حظه في الرواية فكتب رواية (دعاء الكروان) التي تحولت إلى فلم 1959 بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر، وقد حلّ الفلم في المرتبة السادسة من بين أفضل 10 أفلام مصرية.
تدور أحداث الرواية حول (آمنة) التي تحاول الانتقام من المهندس الذي أغوى أختها (هنادي) ويعد قتل هنادي على يد خالها (ناصر) نقطة تحوّل في الرواية.
كانت (آمنة) وهي صغيرة قد التقت بعرّافة اسمها (نفيسة) أخبرتها نبوءة تقول فيها: “أنتِ بين شخصين، شخص قد أحبك وسوف يؤذيك، وآخرٌ آذاك وسوف يحبك.” من هما هذان الشخصان؟ وهل ستتحقق نبوءة العرّافة (نفسية)؟
بعد موت والد هذه الأسرة المكونة من الأم (زهرة) والابنتين الكبرى (هنادي) والصغيرة (آمنة) وبعد موت الوالد يطرد الخالُ (ناصر) هذه الأسرة لتهيمَ على وجهها في صعيد مصر بين القرى تبحث عن قريةٍ تعيش فيها، فتجمعها الأقدار بأسرة كريمة ميسورة الحال هي أسرة (العمدة) التي تعمل عندهم (آمنة).
تقوى بين آمنة وخديجة بنت العمدة أواصر الصداقة والود، لكنّها تنغصت برحيلٍ مفاجئ لأسرة آمنة بلا سبب واضح، كان وراء هذا الرحيل سر عرفته الأم زهرة وهو وقوع هنادي في حب المهندس وإغوائها بجماله ووسامته.
تحدثت الرواية عن وباء خطير انتشر في المجتمع، وهو قتل البنات بتهمة الشرف وبدون دليل، وهنا يظهر التناقض في شخصية الخال (ناصر) الذي طرد هنادي وأسرتها، لكنّه عندما سمع بما حصل مع هنادي جاء كالشيطان، كما يقول طه حسين، وقتل هنادي بلا رحمة وهي ظاهرة منتشرة إلى وقت قريب في الكثير من مجتمعاتنا ليس لها من تفسير، إلّا أنّ تأثير عادات العشيرة وتقاليدها أقوى من أي قانون أو دين.
لماذا قامت آمنة بتغيير اسمها من اسم آمنة في بداية الرواية إلى اسم سعاد في نهاية الرواية؟! قد يكون السبب أحد أمرين: الأول بعد رجوعها إلى دار العمدة الذي كانت تعمل فيه عند خديجة صديقتها الحنون قد تكون غيّرت اسمها لتستطيع العمل عند المهندس بدون أن يعلم المهندس صلة الوصل بينها وبين هنادي كي لا يكشف حقيقة أمرها وتستطيع تنفيذ انتقامها.
والآخر، قد يكون تحوّلها من حالة إلى حالة تحوّلها من حالة الأمن في البداية حيث كانت بين أهلها وناسها في قريتها إلى حالة السعادة بعد أن استطاعت إيقاع المهندس في حبها لأنّه أحبها بصدق، وقد حققت بذلك السعادة والانتقام في الوقت نفسه لأنّ المهندس كان قد خطب خديجة من والدها فخافت آمنة على صديقتها خديجة من أن تواجه مصير هنادي نفسه وقد هربت خديجة مع والدها العمدة قبل أن تقع الفأس بالرأس وتتزوج المهندس.
في صعيد مصر، حسب ما جاء في الرواية، تسيطر العادات والتقاليد أكثر من الدين والقانون.
هناك في بعض مناطق صعيد مصر يؤمن الناس بقدرة العرّاف على معرفة المجهول أو التنبؤ بالمستقبل، وذلك كانت تمثله نفسية العرّافة التي لها مكانة بارزة في تلك القرى، حيث يسألها الناس عن الطالع والمستقبل وتحقيق الأمنيات بقراءة الطالع ظناً منهم أنّها قد تفيدهم في ذلك دون الأخذ بالأسباب أو العمل والاتكال على الله في قضاء حوائجهم.
يشابه أسلوب (طه حسين) في الكتابة أسلوب الكتاب القدماء في الاعتماد على التشبيه والاستعارة، وإن قمنا بنسبة بعض فصول الرواية إلى كتاب في العصر العباسي لما كان هناك أيّ خلاف بين الأسلوبين وهذه إحدى ميزات الرواية، فهي لا تحتوي على كلمات عامية، الأمر الذي دفع الشاعر خليل مطران إلى تحويل الرواية إلى قصيدة مقتبسة عن الرواية.
كان انتقام آمنة من المهندس انتقامًا من خلال جعله يشرب من نفس الكأس التي شرب منها غيره لكنّه بعد أن كان قاتلًا صار مقتولًا.