أحمد وديع العبسي |
الجنرال المطرود من قصر بعبدا في عام 1990 يعود إليه هرمًا في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وهو على حافة التسعين من عمره، وبدعم كبير من أعداء الماضي الذين طردوه في ذلك الوقت وحاولوا التخلص منه نهائيًا.
لم يغب حلم الرئاسة عن الجنرال عون طوال فترة المنفى، وبقي يعمل جاهدًا من أجل العودة إلى كرسيه المسلوب، بكامل الطيش والدهاء اللذين يرافقان ذهنية الحاكم العسكري.
عون الذي حكم لبنان عسكريًا لمدّة عامين تقريبًا قبل طرده، عاد إلى لبنان في عام 2005، دون أن تختلف لديه كثيرًا قائمة الأصدقاء والأعداء، ولكنه كان قد خطط لهدفه الأوحد جيدًا، ولأنه ينتمي لذهنية عسكرية، وجد أنه من غير المجدي معاداة أصحاب السلاح الأقوى في البلاد، فأبرم اتفاقًا معهم بعد سنة من عودته إلى لبنانه الخاص، رسمت له أولى خطواته نحو الرئاسة، ثم ما لبث بعد عامين أن تحالف مع الشيطان الذي أخرجه ذليلًا من لبنان، ليبيع روحه من أجل المكاسب الدنيوية كما في الأسطورة الشهيرة، وبكامل الذل كتابع للنظام السوري، استمر عون في سعيه الحثيث للرئاسة التي فشل في الوصول إليها مجدداً عام 2008، بعد أن توافق الفرقاء على ميشيل سليمان كرئيس للبلاد، ضمن حسابات مصلحية لم يكن قد أبرم زمامها تماماً، وتجنبًا لازدياد طول فترة الفراغ في الرئاسة.
شخصيًا لا أجد أن هناك أحلامًا كبيرة لدى عون، سوى الجلوس على هذا الكرسي الذي قاتل من أجله، وتأسيس أسرة حاكمة للموارنة على الأقل كحال جميع الأسر الحاكمة لبقية طوائف الشعب اللبناني (المتمدن)، إلا من الخضوع للطرابيش والبكوات والرؤساء والشيوخ.
الجميّل، والحريري، وجنبلاط، وجعجع، وفرنجية، وأرسلان… وأخيرًا عون أسماء عائلات ستبقى متسلطة على السياسة اللبنانية والوطن اللبناني، ما لم يستيقظ اللبنانيون لإنهاء حالة الاقتسام العفنة لوطنهم، ويعلنوا أنهم لبنانيون فقط، بدون مسميات أخرى، وانتماءات بلهاء لأوطان صغيرة داخل الوطن الصغير بما يكفي لكي لا يعاد اقتسامه.
أمام اللبنانيين أيضًا تحدي سلاح الضاحية الجنوبية الذي يتحالف مع الدولة عندما تخضع له، ويرفعه في وجهها مهددًا ومتوعدًا عندما تخالفه، ليكون قادرًا على تعطيلها لمدّة 29 شهرًا، قبل أن يحصل على ما يريد، وإلا فإن الدماء ستكون هي ما يلجأ إليه.
هذا السلاح الذي يُدخل الدولة اللبنانية الصغيرة بدوامات إقليمية هي بغنىً عنها، ويكبدها خسائر كبيرة على الصعيد الاقتصادي والسياسي، دون أن تستفيد الدولة من تعويضات ملالي طهران التي تصل فقط للشريك الطائفي لإنقاذه، بينما يبقى الوطن متدهورًا، إلا في حالة الخضوع لحكم الطائفة.
مشهد عون وهو يجلس على كرسي الرئاسة بكل هذه الصفاقة التي بثتها الفضائيات يومها، هو مشهد لبنان الحقيقي اليوم، لبنان التي تحكمه الصفاقة والأموال والطرابيش والشيوخ والبكوات والمرجعيات النتنة، لبنان الذي يشتريه قوّاد، ويبيعه عسكري، ويتسلط عليه أحد السكارى مع عشيقته، ولا يجيد العمل إلا كملهى، يجمع العواهر والدواعر في لياليه الصاخبة على غفلة من أهل الدار الباحثين عن الخبز تارة وعن وطن بديل تارة أخرى.
لذلك لا تستغربوا من الجنرال شرعنته صراحةً لوجود السلاح خارج الدولة، مادام هذا السلاح سيحمي الكرسي الذي يجلس عليه، فهو مستعد لبيع لبنان كله لأي عصابة مارقة، ومعه في الصفقة بقية الأسر الحاكمة لهذا الوطن الصغير دون استثناءات أو حروب أو دماء قديمة لم تجف بعد من أجل الحفاظ على ألف الكراسي التاريخية والعبيد التاريخيين.
عون لا يختلف عن بوتفليقة في حبه لرئاسة ما قبل الموت، سيستخدم حليفه العسكري ليحكم لبنان ثمانية سنوات كاملة، وسيكون مسرورًا بالخضوع له في سبيل بقائه على كرسي الحكم، وربما تشهد الرئاسة تمديدات أخرى شبيهة بالتي جرت مع لحود، إن بقي حيًا، ولسان حاله يقول للبنانيين: لقد وصلت للرئاسة، وسأموت رئيسًا، عليكم أن تفهموا هذا، والحكم العسكري قد بدأ فعلًا، فلبنان العربي لا يجب أن يكون غريبًاً عن ديكتاتوريات المنطقة، ولابدّ أن يحظى بديكتاتور يليق بالذل الذي يعيشه العربي أينما كان في وطنه، وليستعد الجميع للحروب الممكنة، وللثورات الممكنة.
رابط المقالة الأصلي هنـــــــــا