سلوى عبد الرحمن |
كان لرمضان هذا العام في شمال سورية نكهة بطعم الدم، فمنذ بدايته بدأ النظام السوري وروسيا حملة عسكرية شرسة أدت إلى مقتل وجرح المئات من المدنيين بينهم عشرات الأطفال قضوا تحت أنقاض منازلهم، وآخرون نزحوا إلى مناطق أكثر أمنًا بعضهم ما يزالون تحت أشجار الزيتون، فكيف مرَّ العيد عليهم هذا العام وقد كساها سواد الحداد ومذاق التشرد؟
يحظى عيد الفطر بأيامه الثلاثة بمكانة خاصة لدى السوريين، حيث ينشغل الآباء بشراء الملابس الجديدة والهدايا وصنع الحلويات، في حين تكتظ الأسواق وتزداد حركة البيع والشراء، كما يعود المسافرون لقضاء العيد مع أسرهم، وقد تم تسهيل قدوم السوريين عن طريق المعابر مع تركيا لقضاء العيد خلال هذا العام.
وبسبب اشتداد وتيرة القصف على الشمال السوري، ولأن عددًا كبيرًا من السوريين لا يعيشون في قراهم ومدنهم الأصلية، تغيرت تلك الطقوس، وبات العيد يمرُّ على غالبيتهم كأي يوم عادي آخر بسبب القهر والألم الذي سببه القصف والنزوح لهم.
“آية” أم لطفلين نازحة من قرية “احسم” جنوب إدلب تقول: “يحمل هذا العيد لنا الغصة أكثر من الفرح، أي عيد وقد غادرنا بيوتنا؟! لمن سأصنع الحلوى وأنا بالأصل نازحة خارج منزلي؟! من سيزورني وأنا ضيفة في بيت أقاربي؟! رغم كل ذلك اشتريت ثيابًا جديدة وألعابًا لأطفالي، فهم صغار ولا ذنب لهم، وعليَّ إسعادهم ولا أريد أن أزيدهم قهرًا فوق قهر الخوف والنزوح”.
تحت أشجار الزيتون يفترش النازحون الأراضي، لا خيام تقيهم حرارة الشمس الحارقة، ولا أسواق قريبة لشراء مستلزماتهم، فبالكاد يحصِّلون لقمة طعامهم والمياه اللازمة لعوائلهم، بينما يلعب الأطفال فوق أغصان الأشجار والتراب.
ليس الوضع بأفضل بالنسبة إلى السوريين الذين لم تتعرض قراهم وبلداتهم للقصف، حيث لم تعد أي منطقة آمنة، والطائرات الحربية تكاد لا تغادر السماء، وبأي لحظة يتوقع المدنيون أن يُدفنوا تحت ركام منازلهم أو يغادرونها نازحين لأماكن أخرى، فيكتفوا بشراء مستلزمات بسيطة تُدخل البهجة إلى قلوب الصغار فقط.
“أم أيمن” نازحة من حمص منذ ثلاث سنوات إلى إدلب المدينة تقول: “لم أشترِ هذا العيد سوى بعض الثياب لأولادي الصغار فقط، أما الكبار فقد تفهموا الظروف الأمنية والمعيشية التي نمرُّ بها رغم أني أشعر بغصة لأني لم أشترِ لهم شيئًا يُدخل السرور إلى قلوبهم”.
وتُضيف أنها “لن تأخذ أولادها للعب بالأراجيح خوفًا عليهم من (الهدايا) قاصدة البراميل المتفجرة التي يُرسلها النظام السوري إلى أطفال المحرر حتى وهم داخل منازلهم، حيث إن عائلات وأطفال دفنوا خلال شهر رمضان تحت ركام بيوتهم”.
لطالما تميزت أعياد السوريين بزيارة الأقارب والأرحام والأصدقاء ولمة الأهل على مائدة العيد والضيافة المميزة من حلويات وفاكهة وموالح، فكيف سيمرُّ العيد وقد تشتت الأسر السورية في أصقاع الأرض؟!
“أم رامي” معلمة متقاعدة مقيمة في معرتمصرين تقول افتقاد لمَّة الأهل: “لم يعد للعيد طعم بعد أن سافر خمسة من أبنائي بعضهم في ألمانيا وآخرون في لبنان وتركيا، فلمن أصنع حلوى العيد؟” وقالت: “سأكتفي بفنجان قهوة وبعض التمر لتقديمه للأقارب والضيوف.”
وتأمل “أم رامي” كما باقي السوريين أن يحمل العيد القادم الفرح والسعادة لهم، فتعود لمة الأهل ويلعب الأطفال دون خوف من هدير الطائرات التي سرقت بسمة الصغار والكبار.
انحسرت ألوان الفرح وعادات العيد عن غالبية البيوت في شمال سورية، ليبقى لون الموت الأسود بكافة أشكاله طاغيًا على كل الألوان فتنحصر تلك العادات عند أسر قليلة تكاد تصبح معدودة، وسيكتفي كثير من السوريين بطقس واحد من كل تلك العادات وهو زيارة المقابر والدعاء بالرحمة لمن ماتوا وهم صيام خلال رمضان هذا العام.