محي الدين راشد |
في ظل سيطرة إعلامية كاملة للنظام السوري كان لا بد من وجود نشاط إعلامي ينقل أحداث الثورة السورية بحقيقتها للعالم، فتولد الإعلامي الثوري الذي حقق نجاحاً في استقطاب المناصرين للقضية السورية بوصفها ثورة شعب مظلوم يريد حريته، وجلب تفاعلات يومية لقنوات فضائية رسمية ارتقت إلى مستوى الحدث والمشهد العام، وذلك لم يكن رخيصاً بالنسبة إلى الإعلاميين والناشطين السوريين الذين كانوا أبطالاً خلدوا بعدساتهم وكلماتهم الحرة نضال شعب ثار على جلاده، لقد بذلوا الكثير لنقل صورة ما يجري في سورية للعالم أجمع، فقُتِل منهم وتعرض عدد كبير للخطف والاعتقال على يد جهات عِدة في ظل عدم وجود حرية للإعلام في مناطق الثورة نفسها.
إن الحاجة الملحة التي دعت الإعلام الثوري للظهور ومواكبة الأحداث وتسارعها ربما لم تعطِ فرصة للإعداد والانطلاق بمهنية ترتقي إلى مستوى الحدث، وهذا حال الثورة التي فاجأت الجميع بشكل عام، ما أدى إلى ضعف في مجالات عِدة كالإعلام الحربي والحرب النفسية وإعلام التأثير، والإعلام السياسي، وتقديم ما يحصل بصورة انفعالية، كلُّ ذلك انعكس بشكل واضح على المستوى الفردي والجماعي أثناء الظهور عبر وسائل الإعلام، فغلبت الارتجالية والعشوائية دون وضع خطط إستراتيجية متكاملة وشمولية للوضع السوري الخاص، ما أدى في كثير من الأحيان إلى الإغراق في التفاصيل المحلية و المناطقيّة دون إعادة تجميع للمشهد المحلي وربطه مع سياقاته الوطنية والإقليمية والدولية، كما غلب على بعضها أسلوب الإعلام التعبوي المُغرق في تمجيد الفصائل الثورية بشكل طوباوي بعيد عن أحداث الواقع، حيث إن غالبية المؤسسات الإعلامية التي تأسست بعد انطلاق الثورة تتبع بشكل مباشر أو غير مباشر لفصيل عسكري أو جهة سياسية وتفرض بدورها على الصحفي العامل في المؤسسة الإعلامية التقيدَ ضمن سياسة الممول أو الجهة.
لم يقتصر دور الإعلام الثوري على تغطية الأحداث ونقل الوقائع فحسب، بل كان هناك محاولات عدة من خلال إنتاج مقاطع فنية ساخرة حوت نقداً للواقع الثوري وتعرية للنظام وأفعاله، وفي سياق ذلك كان للدراما السورية دور كبير في إنجاح إعلام النظام رغم طائفيته الواضحة وكذبه الدائم، حيث عكست في أغلب الأحيان المزاج السياسي للنظام السوري، واكتسب هذا الأمر أهميّة مُضاعفة بعد الثورة السّورية، حيث تمّ تسويق أفكار النظام بشكل ناعم غير مباشر من خلال المسلسلات السورية التي يتم عرضها في الموسم (رمضان) بشكل خاص على مختلف القنوات العربية.
رغم كل العقبات والمطبات التي مرَّ بها الإعلام الثوري، فإنه لم يخلو من تكاتف وتفاعل جماعي سُخِّر نحو حدث بعينه، كتنفيذ حملات مناصرة للقضية السّورية كان آخرها ذكرى الثورة، حيث نلمح في مثل هكذا فعاليات وحدة الخطاب والشعارات المرفوعة في كل المناطق، بما في ذلك التّوافق على توقيت المظاهرات والهتافات، وتفاعل المحافظات والمناطق السورية مع بعضها من خلال هتافات المتظاهرين وأهازيجهم، ولعلّ مثال مناصرة الغوطة الأخير أيضاً والنشاطات التي ترافقت معه على وسائل التّواصل الاجتماعي يشكل نموذجاً يمكن أن يحتذى به في ذلك.
أخيرا إننا بحاجة إلى جسد إعلامي ثوري يكون بمثابة “وزارة الإعلام الثورية”، لتنسيق العمل الإعلامي وتوزيع الأدوار، وتجنّب المهاترات أو المنازعات الإعلامية البينية، وتوحيد لغة الخطاب الإعلامي الذي يخدم الثورة، والتركيز على مناصرة القضايا الإنسانية، وإظهار وحشيّة النّظام السوري وداعميه بطريقة تخدم الثورة وتعري الإرهاب وتحدد مصدره، والتّركيز على وحدة الشعارات والقضايا، إلى أن نصل إلى مؤسسة إعلامية تنشدها الثورة وتعبر عنها وتقارع إعلام النظام بكل أشكاله.