قسَّم الدستور السوري المحاكم في سورية إلى محاكم رئيسة ومحاكم فرعية، أو تشكّل هذه المحاكم حسب الحاجة وتنتهي فور انتهاء أسباب تشكّلها، فالأساس محكمة النقض واﻻستئناف والبداية والصلح، ولكل محكمة اختصاصٌ حدده القانون تلتزم المحاكم به إﻻ في حاﻻت خاصة جدا، فمن الممكن متابعة محكمة غير مختصة بالدعوى المنظورة أمامها، وهي من اختصاص محكمة أخرى.
ووزع المشرّع عدة مجموعات من القواعد تساعد الباحث عن محكمة لأخذ حقه لسهولةٍ في الوصول، وجعل الاختصاص المكاني والنوعي والقيمي هدفا لسهولة سلوك طريق الأداء حسب دعوته.
أمَّا في حال تقديم الدعوى لمحكمة دون النظر إلى نوعها أو قيمتها أو مكانها، فإنَّ المحكمة حسب المادة 146 أصول تستطيع أن تحكم بعدم اﻻختصاص، أو أن يدفع بها في أي مرحلة تكون عليها الدعوى ولو كان ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
عند توزيع اﻻختصاص كما ذكرنا في القضاء العادي، جُعل لكل محكمة اختصاص خاص بها، وما عداها تحكم بعدم اﻻختصاص في حال تكون عليها الدعوى، إلا في حالات حدد القانون امتداد اﻻختصاص إليها ولو لم تدخل أصلا في اختصاصها، فمثلا كانت منازعات العمل من اختصاص محكمة الصلح، فتحول إلى اختصاص محكمة البداية عام 2010 رقم 17. وعليه تحول إليها كثير من اﻻختصاصات، كدعوى قسمة المال الشائع إذا كان بقسمة رضائية بين أطرافه، وأمَّا في حال التنازع على المال الشائع فذلك يدخل في اختصاص المحكمة حسب قيمته المادية، أمَّا محكمة البداية المدنية فتختص في كلِّ ما لم يدخل في اختصاص محكمة أخرى، واختصاصها نوعي وشامل.
أهم ما نود ذكره تسيير الدعاوى لدى محكمة البداية، والمتعلقة بتنفيذ الأحكام والمستندات الأجنبية شرط المعاملة بالمثل بين أمرين: في حال وجود معاهدة دولية تقضي باختصاص إحدى المحاكم أو ﻻ يوجد، لأنَّه في حال وجود معاهدة فالإلزام الدولي ومعاهداته أولى من القانون الوطني.
وهذا جزء تفصيلي لبعض الأساسيات في التقاضي، أمَّا ما حدد في عدم اختصاص المحكمة في الأصول ببعض المواد من قانون المرافعات أنَّ الدفع نوعيا بغض النظر عن القيمة، فالإحالة بناء على عدم اﻻختصاص يتم لأربع حالات: 1 الإحالة لعدم اﻻختصاص، 2 الإحالة بسبب اتفاق الخصوم، 3 بسبب وحدة الدعوى أمام محكمتين، 4 بسبب اﻻرتباط. وهذا يعتبر من الأسباب التي تنقل الدعوى من محكمة لأخرى مع عيب عدم اﻻخنصاص، وذلك لتقليص النفقات والإجراءات والوقت، أمَّا استثناءات عدم اﻻختصاص والحكم بالدعوى رغم خروجها من المحكمة يتم لعدة أمور أهمها: فوات الوقت على الدعوى، زوال أثار الجرم، سفر المتهمين، تلف مواد تابعة للخلاف والسرعة بسير الدعوى، فكان لقاضي الأمور المستعجلة النصيب الأكبر في الفصل بهذه الدعاوى مهما كانت قيمته واتخاذ ما يلزم للحفاظ على أساسيات الدعوى دون النظر لأصل الحق، وأهم عيب على عدم الاختصاص كان في رفع الدعوى من محكمتين تدعيان عدم اﻻختصاص ولكل محكمة حجتها المؤكدة لقرارها، وهذا فيه مضيعة للوقت والحق والنفقات وزوال آثار الدعوى.
وهناك الكثير من الدفع بعدم اﻻختصاص وعيبوها، ويأتي ذلك بحسب التقييم من نوعي إلى مكاني وقيمي، فالاختصاصات حسب النوع هي الأقل دفعا بعدم اﻻختصاص لوضوح الاختصاص لمحكمة معينة بذاتها حسب تقسيم المشرع لهذا، أما اﻻختصاص القيمي ففيه الكثير من الأحكام بعدم اﻻختصاص، فمثلا الدعوى من 10 آﻻف وأقل من اختصاص محكمة الصلح، والقيمة فوق ذلك من اختصاص البداية، فلو أنَّ دعوى رفعت أمام محكمة الصلح وطرأ تعديل على القيمة أثناء نظر الدعوى، فمن المعيب أن تحكم المحكمة بعدم النظر فيها بالدفع بعدم اﻻختصاص لزيادة القيمة عن اختصاص محكمته، وهذا حقه ويؤدي إلى تعطيل الإجراءات وزيادة المصاريف وزيادة الوقت على حقوق المدعين، أما عيب عدم اﻻختصاص المكاني فعندما نرفع دعوى مستوفية لشرط النوع وشرط القيمة نأتي لمكان رفع الدعوى واختصاصها المكاني، فلو رفعت دعوى على المدعى عليه بدمشق وأثناء سير الدعوى تم نقل مكان إقامة المدعى عليه إلى مدينة حلب، فتحكم المحكمة بعدم اﻻختصاص المكاني وتحولها إلى ما يوازيها بحلب، وإن كان حقها في ذلك فإنَّ المدعي سوف يخسر الكثير من النفقات في التبليغ والنفقات في الإجراءات والوقت المهدر حتى تحصيل حقه، هذا إن كان المدعى عليه بحق سيقيم بحلب، فربما يكون ذلك حجة لصالحه بالقانون ليتلاعب بالمدعي ودفع الحقوق لأصحابها.
وهناك الكثر من عيوب الدفع بعدم اﻻختصاص، ومنها عُدل وترك للمحكمة حرية الاستمرار وحرية التنازل عن الدعوى لمحكمة أحق قانونا بالنظر قبل التعديل، وهذا ما أدى إلى تنازع إيجابي للاختصاص، وهو تمسك كل محكمة بالنظر في الدعوى، ويقف النظر من المحكمتين حتى يتم تشكيل محكمة فض النزاع، أو ينشأ تنازع سلبي بأن تتخلى المحكمتان الناظرتان بالموضوع لظهور شيء ما.
هذه العيوب تؤدي إلى تعطيل الأحكام والمحاكم، والهدر في الأوقات والمصاريف والإجراءات وحقوق المواطنين، وتم وضع تعديلات لم تكن كافية للقضاء على تلك العيوب الناجمة عن الدفع بعدم اﻻختصاص.