أسرة الصحيفةعندما فكّرنا بالكتابة عن (غياث مكيس) تحوّلتْ أيدينا إلى حماماتٍ بيضاء ، وأقلامُنا إلى سنابلِ قمح ، وباتَ يركضُ في ذاكرتنا كما يركض الدّمُ في عروقِ الأطفال ، وأصبحَ الحبرُ الذي نكتب به قطراتِ غيث ، وتحوّلت صفحاتُنا فجأةً إلى حقولٍ من الياسمين .تُرى هل نستطيع أنْ نركّبَ الحرفَ على الحرف ، والوردةَ على الوردة ، والجرح على الجرح ، لكي نعطي ذلك الرّمز الطّفوليّ حقّه ؟غياث مكيس ( أبو النّصر ) الرجلُ المسكون بالبساطة والابتسامة ، حفظ كتاب الله فراحت كلماته تجري في عروقه ، وحصل على الإجازة بالسند المتصل إلى رسول الله ﷺ التي كانت لديه أعزَّ ما يملك ، ولطالما سمعناه يقول : إجازتي أفضل عندي من الدكتوراه . ولكنَّ أعداءَ القرآن سلبوه منها بثلاث رصاصات .شارك في تأسيس المكتب الإغاثي في حيه وكذلك في تأسيس مؤسسة جيل القرأن ، ومؤسسة جنى التعليمية ، كان من السباقين إلى كل خير، حتى إذا دعت الحاجة لحمل السلاح أسرع إليه وكأنهما على موعد قديم .كلُّ مَنْ يعرف أبا النصر يحبّه ، كلّ الأشياء التي كانت بقربه ما زالت تنتظره ، كتبه ، دفاتره ، إجازته ، جَعْبته التي تشتاق إليه كما يشتاق السّيف إلى غمده ، سلاحه الذي يحنّ إليه كما يحنّ الحصان إلى فارسه .يا أبا النصر ..لئِنْ أحزننا فراقُك ، وأرّقنا غيابُك ، وذرفت دموعنا ، وانفطرت قلوبُنا ، فلقد سرّنا أنّكَ متَّ فداءً لدينك ، ونصرةً لعقيدتك ، ودفاعًا عن مقدّساتك ، لم ترضَ أنْ يُشتم ربُّك ، ويهان نبيّك ، وتبقى صامتًا لا تحرّك ساكنًا ، فانتفضتَ غيرةً للدّين ، ونعمتِ الانتفاضة .ولئِنْ فقدنا صورتك ، فبعد أيامٍ سنرى بيننا ولدَك الذي انتظرته وكنت ترقبه .مضيتَ وكأنَّكَ لم تمضِ ، رحلتَ وكأنّكَ لم ترحلْ ، انتصرتَ قبلَ أنْ يأتيَ النّصرُ. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، نسأل اللهَ أنْ يتقبلك ، ويجمل لك المثوبة، ويحسن لأهلك وذويك ولنا العزاء .