عبد الرزاق الشامي |
لعل ترف الجو الهادئ المناسب للدراسة آخر ما يُفكر به الطالب في سورية، وبات أمر الحفاظ على الحياة على المحك، فضلاً عن المأوى ولقمة العيش.
لكن الطالبة “فاطمة الحسن” ذات الثمانية عشر ربيعاً المنحدرة من قرية كفرعويد في ريف إدلب الجنوبي، التي تدرس شهادة التعليم الثانوي الفرع العلمي، حصلت على الدرجة التامة في فرعها 240 من أصل 240 في ظروف تُعد هي الأخطر على حياة الإنسان في العالم، فماهي قصة تفوقها؟
تقول فاطمة: “مررنا بظروف صعبة لكني لم أستسلم، في البداية بدأ القصف يطال أطراف القرية، كنَّا نخرج صباحًا إلى الكهوف وإلى تحت شجيرات الزيتون هربًا من القصف، كان كتابي مرافقي أينما ذهبت، حتى أنه أصبح قطعة من جسدي، وفي المساء نعود إلى البيت عند هدوء القصف.”
وتضيف فاطمة: “بقينا على هذا الحال ما يقارب عشرين يوماً، لكن القصف بدأ يشتد، فاضطررنا للنزوح إلى الشمال على الحدود السورية التركية وأوينا إلى مخيم القلعة بالقرب من مدينة سرمدا وتلك معاناة أخرى..”
وتستطرد فاطمة في وصف معاناتها: “الغبار وضجيج الأطفال وحرارة الشمس وانعدام الكهرباء كل تلك الظروف القاسية اصطفت في خندق المتآمرين عليَّ.”
الإرادة تصنع المستحيل ومن رحم المعناة يولد الإبداع، وفي ذلك تقول: “النجاح يحتاج الى شيئين رئيسين هما: تحديد الهدف والإرادة، وهما بوصلتي التي وصلت بها إلى هذا الإنجاز”
ولأن مع كل عسر يسرين رُزق والد فاطمة بصديق أفرغ له منزله في منطقة كفركرمين بريف حلب الغربي وأمَّن لهم انتقالهم إليه، ورغم أنه منزل صغير إلا أنه أفضل حالاً من الخيمة.
وعند سؤالنا لوالد فاطمة عن سرِّ تفوقها رغم هذه الظروف التي مرت بها قال: “أبدأ بتعليم أولادي من سن 4 سنوات، حيث أحفِّظهم الحروف باللغة العربية والإنكليزية، وعند دخولهم المدرسة يكونون متميزين عن باقي زملائهم، وهنا يكمن سر نجاحهم.”
أما والدة فاطمة فكان لها الدور الأبرز، حيث زرعت في نفوسهم منذ الصغر حب الدراسة والتفوق، تقول: “حُرمت من أسمى أحلامي في صغري، وهو أن أكمل دراستي؛ لأن الظروف لم تكن سانحة آنذاك، وأردت من أولادي تحقيق هذا الحلم من خلال تفوقهم.”
وتضيف: “فاطمة لم تكن ابنتي الأولى المتفوقة، لديَّ ابنة أخرى تدرس الطب البشري في جامعة إدلب، وأطفالي الصغار أيضاً متفوقون، لقد حققوا مالم أتمكن من تحقيقه في حياتي وهذا يكفيني.”
وللوقوف على دور مديرية التربية في المحرر، التقينا معاون مدير التربية الأستاذ “محمد الحسين” حيث أوضح لنا الجهود التي بذلوها لتأمين الطلاب الذين تتضرروا من الحملة العسكرية ونزحوا من مناطقهم، حيث ذَكر أنه تم تحديد مكان نزوح كل الطلاب، ثم تمَّ إلحاقهم بالمراكز القريبة من منطقة نزوحهم بعد رفع القدرة الاستيعابية للمركز، بالإضافة إلى مراكز جديدة لاستقبال جميع الطلاب الوافدين من مناطق التهجير.
وعن نسب النجاح في الثانوية بفرعيها العلمي والأدبي في المناطق المحررة أوضح الأستاذ حسين أن نسبة نجاح الفرع الأدبي كانت 44% والفرع العلمي 69%
من ناحية أخرى ذكر الحسين أنه سيكون هناك منح دراسية إلى تركيا على حساب بعض الجهات للطلاب الثلاث الأوائل في كل فرع سواء علمي أم أدبي، وأضاف أنه يتم التواصل مع بعض الجهات لتأمين منح للطلاب المتفوقين.
أما عن الصعوبات التي واجهت مديرية التربية في تأمين الطلاب الوافدين فأوضح الحسين أن الحملة العسكرية كانت قبل الامتحان بأيام قليلة، وأن المديرية عانت من ضغوط في الوقت وعدم استقرار المهجرين في منطقة معينة بالتالي كثرة التنقل والتحريك الدائم للطلاب من مركز الى مركز.
ونوه الحسين إلى أنه في هذا العام لم تكن الامتحانات مدعومة من أي جهة وكانت التكاليف كاملة على عاتق مديرية التربية وواجهت المديرية صعوبة في تأمين تكاليف العملية الامتحانية.
وتبقى فاطمة مثال جميل يتحدَّى الظروف مهما بلغت قساوتها، ويبقى إنجازها الجميل يتحدى كل قبح الحرب والإجرام.