غسان الجمعة |
خرائط جديدة رسمتها الدول الممسكة بالملف السوري عقب نهاية العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا والجيش الوطني السوري في منطقة شرق الفرات التي خرجت بنتائج قد تكون مرضية للحليف التركي، لكنها حتماً ليست عند الحد الأدنى من التوقعات للمعارضة السورية، كما أن ثمار هذه العملية ماتزال في مرحلة الاتفاق النظري من خلال الاتفاق الذي وقَّعه الرئيس التركي والروسي فيما بات يعرف بسوتشي2.
الوضع الأبرز عقب عملية نبع السلام تمثل في انهيار ميليشيا الوحدات الكردية سياسياً وعسكرياً واضطرارها لعقد تفاهمات جديدة مع روسيا بعد أن انتهت مدة عقد الخدمة مع الجانب الأمريكي وإقدام أنقرة على خطوات عملية كانت كفيلة بالقضاء عليها، غير أنها ظفرت بفرصة جديدة مع اللاعب الروسي بعد اتفاق بوتين – أردوغان من البوابة الوطنية تحت مظلة شرعية النظام، فماذا تريد موسكو من قسد؟
تعتبر هذه الميليشيات أن روسيا هي من تواطأت عليها في عملية غصن الزيتون وقامت بمنح أنقرة الضوء الأخضر لطردها من منطقة عفرين، غير أنها اليوم في موقف لا تحسد عليه، فهي مكرهة على إعادة افتراض الثقة مع موسكو في ظل التخلي الأمريكي.
كما أن الجانب الروسي يريد فتح صفحة جديدة مع هذه الميليشيا التي تمثل من وجهة نظره أحد المكونات العرقية للنسيج السوري لأسباب كثيرة، أولها استمرار وجود أوراق ضغط على تركيا التي لا تزال تحتفظ لنفسها بنفوذ قوي في إدلب، كما أنها تلعب دوراً مهمًا في عملية الحل السياسي وعمل اللجنة الدستورية ولا تزال تدعم المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً في مواجهة النظام السوري، فلذلك ترى موسكو بأن ورقة الميليشيات الانفصالية هي أكثر ما يثير الأتراك ويدفع بهم للتفاوض والقبول بتقديم التنازلات أو إبرام الصفقات.
وفي جانب آخر تسعى روسيا إلى الاستفادة من القوة البشرية المنظمة التي تقودها هذه الميليشيات في تدعيم جيش الأسد المنهار، وخصوصاً أن تجربة الفيلق الخامس أثبتت فشلها في ظل إحجام معظم عناصر المصالحات عن قبول انخراطهم في صفوف جيش الأسد تحت أي مسمى.
كما أن موسكو تسعى لإيجاد ذراع عسكرية محلية تواجه النفوذ الإيراني المتنامي في ظل مطالب إقليمية ودولية تطالب بإخراجها من الأراضي السورية، حيث تتمتع طهران بقوة بشرية لا يستهان بها على الأرض بعد حملات التشييع والتجنيد، بالإضافة إلى انتشار ميليشيات حزب الله الموالية لطهران، وهي ميزة تفقدها روسيا على الساحة السورية وهي بحاجة لها لضمان عدم تهديد مصالحها.
كما أن روسيا تريد احتواء التنظيم الإرهابي وتقديم إغراءات سياسية وعسكرية تبعده عن الفلك الأمريكي بما لها من سلطة نفوذ على قرار النظام السوري، فضلاً عن أنها تريد الاستفادة من البروغبندا الإعلامية التي سوَّقت لها دول غربية عقب عملية نبع السلام، حيث روَّجت لقسد كونها أقلية عرقية مضطهدة آيلة للسحق، وبذلك ستظهر موسكو كالمخلص للأقليات، وقد تجبر الأسد على تقديم بعض التنازلات بشأن ذلك.
التحديات للعلاقة بين قسد والروس كبيرة، وهذه المشاريع تواجهها عقبات أهمها أن روسيا إلى الآن لم تعِ عقلية النظام القائمة على (الأسد أولاً) على اعتبار أن رأس النظام السوري خوَّنهم، في حين تحمل قسد في جَعبتها زوراً حزمة مطالب باسم المكون الكردي قد تقبلها روسيا ويرفضها النظام، بالإضافة إلى أن إيران وتركيا لن تقبل ببقاء هذه الميليشيات بأي شكل كان، كما أن هذه الميليشيات ماتزال تحمي آبار النفط للجانب الأمريكي، وهو ما لن تقبله روسيا مستقبلاً ولن تتنازل عنه واشنطن كذلك.