إنهم فتية الكهف، لكن ليسوا الذين نقرأ عنهم يوم الجمعة كل أسبوع في سورة الكهف والذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، إنما هم فتية كهف تايلند الاثنا عشر مع مدربهم في كرة القدم، يبدأ الحدث عندما جمعهم مدربهم وأخذهم في رحلة استكشافية إلى أحد الكهوف شمال تايلند بعد الانتهاء من حصتهم التدريبية، فخلعوا أحذيتهم عند المدخل ودخلوا مستكشفين للكهف الذي أصبح اسمه كهف الموت بعد أن ولجوه، وحين قطعوا مسافة أكثر من 1 كم هطلت أمطار غزيرة وبدأ يرتفع منسوب المياه في الكهف وسُدَّ طريق العودة، فقرر مدربهم المشي بهم في أعماق الكهف حتى وصلوا إلى مسافة 9 كم وجلسوا على هضبة مرتفعة داخل الكهف عصمتهم من المياه، وبقوا في مكانهم تسعة أيام حتى عُثر عليهم من قبل السلطات بعد بلاغ الأهالي، وكانت أحذيتهم عند مدخل الكهف سببًا في العثور عليهم.
كانت خيارات الإنقاذ معقدة جدًا في تسابق مع الطبيعة واحتمال هطول أمطار بحسب الأرصاد الجوية وتأزم الوضع أكثر، فالوصول إليهم يحتاج ست ساعات إذا كان الغواص محترفًا لأنه ثمة ممرات ضيقة وتيارات شديدة وانعدام للرؤية نتيجة وجود الوحل، ورغم ذلك قضى غواص من البحرية التايلندية نحبه في طريق العودة عندما أرسل إليهم مواد إسعاف أولية، لن أخوض في احتماليات الإنقاذ التي كانت مطروحة وخيارات نجاحها وعدمها، لكن الخلاصة أنه تم تطوير غواصة صغيرة خلال مدة قصيرة على شكل كبسولة مزودة بالأوكسجين من قِبل شركة ماسك الأمريكية للملياردير إيلون ماسك، يدخل فيها الطفل ويتم سحبه من قِبل الغواصين، لكن لم تستخدم لانخفاض منسوب المياه في الكهف وتنفيذ عملية الإنقاذ عبر تقسيم الأطفال إلى مجموعات وإخراج كل واحد مع اثنين من الغواصين المهرة.
التعاطف الدولي كان كبيرًا مع الحدث، تجلى من خلال وجود فريق غوص عالمي محترف متعدد الجنسيات، وكذلك نجد دعوة الاتحاد الدولي للفريق المحاصر ومدربه لحضور نهائي كأس العالم، وتفاعل العديد من المشاهير من رياضيين وفنانين مع الفتية، وتفاعل الدول كل بحسب مشاركته كالصين وأستراليا واليابان وأوربا وأمريكا والقائمة تطول.
إن المجتمع الدولي نفسه الذي تفاعل مع هذا الحدث الكبير، وبعد 8 سنوات على ما يجري في سورية وقتل 24 ألف طفل، لم يستطع إلى الآن إنقاذ أطفال وفتية سورية، يتعامل مع قضيتهم لا لينهيها ويجد حلاًّ لها إنما ليقضي على ما تبقى منهم، يقدم بين فترة وأخرى تقارير عن عدد القتلى منهم وعن عدد الأُمِّية والأيتام والتشرد ولا يقدم حلولاً واستنفارًا عالميا كما حدث مع فتية الكهف، فعن أي إنسانية نتحدث؟! هل أطفال وفتية سورية يشكلون خطرًا على العالم لذلك يستحقون القتل وعدم التدخل لإنقاذهم من براثن النظام؟! أم أن الإنسانية تحتاج إلى تعريف آخر ولا تنطبق شروط الإنقاذ على أطفال سورية؟! حتمًا سيُجعل كهف فتية تايلند مكانًا يقصده الزائرون وسيصبح معلمًا أثريًّا تحميه حكومتهم، وستنتج الأفلام الهوليودية عن القصة كلها، أما مكان مذبح أطفال وفتية سورية فيُعمل على محوه ودثره من خلال تدمير المدن وإخراج مخططات إعمار جديدة وإعادة تأهيل قاتلهم. فلكم الله يا فتية الشام، سينجيكم ربكم كما أنجى الثلاثة الذين سدَّت الصخرة عليهم مدخل الغار، وسينتقم من قاتلكم وينجيكم من شر الإنسانية المزدوجة التي لم تنجدكم من مذبحتكم وطبَّقت شعورها الإنساني على فتية كهف تايلند فقط وتركتكم وذبَّاحكم.