أفرزت الحرب السورية مشاكل جمَّة على كافة الأصعدة الاقتصادية الاجتماعية الدينية، إلا أنَّ المشاكل والأمراض النفسية احتلت المكان الأكبر في نفوس السوريين كبارا قبل الصغار، لهذا ظهرت فرق الدعم النفسي لتكون من أكثر الوسائل الفعالة في إعادة التوازن النفسي ولو بدرجات متفاوتة، رغم تهميشها في السابق من قبل الكثيرين.
“مساعدة الأطفال والأسر والمجتمعات المحلية في تحسين صحتهم النفسية والاجتماعية”، تعريف بسيط أطلق على معنى مفهوم الدعم النفسي نظرياً، إلا أنَّ فرق الدعم النفسي التابعة لمنظمات أو مجموعات شبابية محلية وأخرى عالمية أثبتت وجودها الفعال على أرض الواقع في بعض من المناطق والمدن الخارجة عن سيطرة نظام الأسد.
هدف واحد أجمع عليه كل من أراد أن يكوِّن دفعا معنويا سواء للكبار أو الصغار، المرضى والأسوياء بغض النظر عن الفائدة المادية، ألا وهو إدخال الطمأنينة نوعاً ما إلى قلوبهم، ورسم البسمة على وجوههم، ومحاولة دمجهم مع بيئتهم الاجتماعية التي أوصلتهم ظروف الحرب إليها مهما كانت صعبة.
في منتصف العام 2015 قامت مجموعة من الشباب تحت مسمى فريق ألوان التطوعي بعدة نشاطات في مجال الدعم النفسي بغية إسعاد الأطفال في مدينة معرة النعمان وريفها في ريف إدلب الجنوبي، أطفال هم من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم كانوا بأمس الحاجة لتلك الفعاليات المتنوعة ليشفوا قليلا من جروحهم.
عبد اللطيف الرحوم مدير فريق ألوان قال لصحيفة حبر:” فعلنا ما بوسعنا لندخل السعادة لقلوب الأطفال، من خلال تأمين مبالغ صغيرة تصرف كهدايا لهم، فضلاً عن قيامنا بماراثون معرة النعمان الذي شارك فيه قرابة 300 طفل، ناهيك عن الحفلات والمسابقات ونشاطات العيد، كالحلاقة للذكور، مع إعطاء كيس العيد لحوالي 300 طفل، ولدينا مشروع لفتح مركز التربية على السلام بمدينة معرة النعمان”.
بالانتقال لمنظمة بنفسج التي قام فريقها التطوعي للدعم النفسي منذ أكثر من 6 أشهر، والذي يحتوي على شباب أُخضعوا لدورات دعم وإسعاف نفسي، ولديهم خبرة بالحالات النفسية الحرجة، واللذين كان هدفهم من العمل حماية الطفل من الأثار الجانبية النابعة عن الحرب والواضحة في نفسيته مثل (الخوف، رعب، انعزال، عقد نفسية) من سن 5 سنوات وما فوق.
نور عوض مسؤول التواصل في المكتب الإعلامي لمنظمة بنفسج نقلت لصحيفة حبر نشاطات قسم الدعم النفسي التطوعي على لسان قائده بديع أبرص الذي قال:” نشاطاتنا ترفيهية حركية بالمناسبات والأعياد وفي حالات الطوارئ، نستهدف أماكن النزوح (مدارس، مخيمات، أراضي زراعية،) ونركز على عدة شرائح خاصة النازحين الذين تتغير عليهم الأجواء كالمناخ والعادات أو اللهجة، أما عن ذوي الاحتياجات الخاصة نعاملهم بأسلوب خاص يناسب وضعهم، ونسعى لتفعيل الدعم النفسي لفئة المراهقين من إرشاد وتوجيه للانخراط بالمجتمع والواقع”.
بينما كان فريق الدعم النفسي التابع لمنظمة الهلال الأحمر العالمية يتفق مع سابقيه بالهدف، ويزيد عنهم ببعض الأعمال الهادفة الممتدة لفئات جديدة أيضاً طالت نفسيتها عوامل الحرب الكارثية، وهذا ما يميزهم عن البقية وفق رأي الأستاذ مأمون خربوط رئيس فرع الهلال الأحمر في محافظة إدلب الذي قال لصحيفة حبر:” لم ولن نقبل على أي نشاط دون أن يكون لنا من ورائه هدف يطابق البيئة المتمثل فيها العمل، فمثلاً هدفنا من نشاط الرسم هو إفساح المجال أمام الطفل ليبرز إبداعه وخياله، بل ذلك يصح تعميمه على الرجال والنساء وكبار السن، إلى جانب زيارات ميدانية لأهل ذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم الدوافع المعنوية”.
وعند سؤالنا مأمون عن عدد الفريق وتأهيله قال: “الفريق قائم على 30 شاباً وفتاة جميعهم يحملون شهادة جامعية من فروع مختلفة قريبة من علوم النفس (إرشاد نفسي، تربية) وهم أقاموا دورات تدريبية على مستوى عالمي مثل حماية الطفل والإسعاف النفسي الأولي، وباتوا مؤهلين بالكامل.”
أمَّا عن الأنشطة أوضح مأمون: “هي ترفيهية ثقافية حركية اجتماعية، كلها يتم تنفيذها بعد تقييم للمكان قبل الخروج إليه لكي يحددوا نوع النشاط، فمثلاً أطفال النزوح في مراكز الإيواء يحتاجون لنشاط توعوي أو تربوي وهكذا، لكن الصعوبات التي واجهتهم من بطء في تكيف الأطفال مع المجتمع الجديد من قبل النازحين لن تثني عزيمتهم وإنما كانت حافزاً لهم لإتمام مهمتهم، وبالفعل حصلوا على نتيجة رائعة بعد فترة معينة دعمت إحساسهم خاصة بعد تقيمهم لعملهم من خلال سؤال الأطفال عن مدى سعادتهم بالنشاطات المقدمة لهم وإبدائهم السرور.”
أخيراً ليس آخراً : لطالما كانت الحرب السورية قد أنهكت الكبار قبل الصغار، ودمرت الحجر مع البشر بفعل الأزمات التي عصفت بهم ووضعتهم بمهب الريح في الداخل السوري، كان لا بدَّ للشباب السوري أن يكون جباراً أمام كل المحن، وأن يداوي جراحه النازفة بيده التي أصرت أيادي العالم كله على كسرها، وقابلها الشباب بالصمود والثبات.
محار الحسن