بقلم: الصاحب الحلبيتنفسّ الصعداء في تنهيدة طويلة، وبدت الأخاديد على وجهه المعروق أكثر بؤساً، وقلب كفّيه في إحباط عميق… ثم قال: أي تفاهم يا رجل؟ هذه ليست زوجة، ليست امرأة، أنا أعيش منذ عشرين سنة مع رجل لا مع امرأة. ثم استطرد، كمن وجد من يستمع إليه بعد عقود من الوحدة الموحشة: أنت تبتسم كأنك غير مصدق! صدقاً أنا لا أبالغ يا صاحبي. إنها تعاملني كما يعامل صاحب العمل أجيراً عنده. والتمعت عيناه في ومضة سخرية مريرة، ثم أردف: أحياناً أظن نفسي صرّافاً آلياً، ماكينة صرف النقود التي يضعون في فمها بطاقة ويسحبون من جيبها النقود. إذا رضيت عني “الوالدة باشا” عشت وكأنني الخديوي في “سرايا عابدين”، وإذا عبست وبسرت ثم أدبرت واستكبرت؛ تحولتْ إلى أبي جهل شخصياً، وصرت مستضعفاً كبني إسرائيل تحت طغيان فرعون. ماذا تقول؟ الموعظة الحسنة! وماذا تصنع الموعظة في قلوب كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار! نعم نعم هي تبتسم أحياناً، بل وتضحك، في الاستقبال عندما تجتمع مع جاراتها، ويتبارين في التباهي أيهنّ أشد على زوجها نشوزاً. وأحياناً تبتسم في وجهي عندما يكون طلبها من النوع الذي يقصم الظهر، فلا تظننّ أنّ الليث يبتسمُ. أهجرها؟ وما عليها! هي تعلم أنني مضطر للعودة إليها، “متل الـ… كلب”. ولا كرامة. عندك حلّ آخر؟ هات يا سيدي. أفعل ماذا؟ لا لا لا ما هذا الاقتراح؟ اتركنا الله يرضى عليك. هل هناك عاقل يجمع فوق المصيبة مصيبة أخرى. أنا بوحدة ماني مخلّص. يبدو أنّ كلامي ثقل عليك، فأنت تريد الخلاص مني.أنا لا أطلب منها سوى أن تكون امرأة، أليست هي امرأة فعلاً؟ ألم يخلقها الله امرأة؟ هل هناك عيب أن يكون الإنسان إنساناً؟ يا أخي والله لا أقصد انتقاصها. أي انتقاص؟ أنا لا أقول تكون خادمة لي، لا أقول سأحبسها في البيت، لا أقول سأمنعها من العمل. أريد أن أعيش مع زوجة، مع حبيبة أشكو لها همي، أسكن إليها، تسرني إذا نظرت إليها، وتحفظني إذا غبت عنها. أريد أن أعيش مع قلب كبير، وحنان عميق، وعاطفة فيّاضة. أريد أن أعيش مع حضن دافئ وحديث هادئ، في روح وريحان وظل ظليل من المحبة والوداد، أريد أن تستقبلني بابتسامة وتودعني بابتسامة، أريدها أن تفتنني بجمالها، تتزين لي وتلبس وتتطيب، تتودّد إلي وتتحبّب، أريد عذوبة حديثها ورقة قلبها؛ أريد أن تنسيني متاعب العمل وهموم الدنيا وضيق الحياة، أريد أن أشعر معها أنني مع أنثى، تتحدث معي كأنثى، تتصرف معي كأنثى، تتدلّل عليّ كأنثى، تسمح لي أن أغازلها كأنثى. أهي أضغاث أحلام؟ لماذا تكون أبسط الأشياء أضغاث أحلام؟ لماذا لا نعود إلى فطرتنا. زوج وزوجة يعني رجل وامرأة لا رجل وأبو جهل، أو رجل وفرعون، أو امرأة وصرّاف آلي. يعني ما في حل وسط أبداً؟سكت محدّثي هنيهة، ثم سكت، ثم ظلّ ساكتاً، حتى حسبته لن يتكلم أبداً بعد ذلك السيل المتدفّق من الكلام. رأيت في عينيه شيئاً لا يوصف، شيئاً أشبه بما كان في عيون أبناء سورية قبل ثورتهم على الطاغية بشار. رأيت القهر والألم العميق، رأيت خيبة الأمل، وددت لو أنصحه أن يطالب بإصلاحات جوهرية. لكنه بدا لي من النوع الذي لا يطالب بشيء، من جماعة الله يطفيها بنوره! كل ما في الأمر أنها “فشة خلق” لم تسمعها أم العيال، وانتهت على خير.أحمد الله أن هذه المرأة فريدة من نوعها في مجتمعنا، ومثيلاتها قليلات، وأن زوجها فريد من نوعه كذلك، ولا مثيل له أبداً.