إيمان المصطفى |
الطفل محمد (١٢عاماً) نازح من ريف إدلب الجنوبي ينظر ببالغ الحزن والأسى إلى مدرسته التي قضى بها سنوات دراسته، كوَّن فيها أحلامه عن النجاح والتفوق، والآن اضطر إلى تركها والذهاب إلى المجهول لعله يجد الأمان، ولكن ماذا ينتظره في رحلة تهجيره؟ وهل سيحقق حلمه في متابعة تعليمه؟ تلك هي مأساة كل طالب نازح من أماكن القصف في ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، وحاليًا امتد القصف والتهجير إلى ريف حلب الغربي نتيجة التصعيد الأخير والمأساة بتعاظم مستمر ما استمرت آلة الإجرام، إذ إن نسبة الدمار ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً في الشمال السوري كافة بعد الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها القوات الروسية وقوات النظام السوري مطلع نيسان الفائت، حيث دمرت الكثير من المنشآت الحيوية وفي مقدمتها المدارس، ممَّا بات يهدد جيلاً كاملاً بحرمانه من التعليم في تلك المنطقة في سورية.
حالياً أكثر من ثلثي الأطفال في سورية باتوا يواجهون خطر التحول إلى جيل أمّي أو في أحسن تقدير من غير المتعلمين الذين فقط يعرفون مبادئ القراءة والكتابة، وبحسب تقديرات منظمة “UNICEF” فإن 2.8 مليون طفل سوري غير مسجلين في المدارس في سورية ودول الجوار.
تقول السيدة (فاطمة) وهي نازحة من ريف حماة الشمالي إلى قرية (كفرلاته) التابعة لمدينة أريحا: “عندما خرجنا من القرية حمل أطفالي حقائب المدرسة لعلهم يجدون مكانًا يحققون حلمهم في إكمال دراستهم التي حرموا منها بعد تهجيرهم وقصف مدرستهم من قبل طيران النظام.”
لكن كيف لهؤلاء الأطفال التعايش في بيئة جديدة وأسلوب تعليم جديد؟ هكذا قالت السيدة (فاطمة) وهي حزينة على ضياع مستقبل أطفالها، بل كيف سيكمل الأطفال الذين نزحوا إلى المخيمات الحدودية تعليمهم؟! تلك هي الكارثة.
وبالإضافة إلى تسرب الأطفال دراسيًا نتيجة النزوح، ثمة عامل آخر يُهدد العملية التعليمة، أوضحه الأستاذ (جهاد) وهو مدير المدرسة الإعدادية في قرية (كفرلاته) بقوله: “الواقع التعليمي يواجه أوضاعاً مزرية جداً في منطقة إدلب عمومًا وفي القرية بشكل خاص، وذلك بعد نزوح الكثير من القرى التي تتعرض للقصف، لكن توقف المنحة الأوربية المقدمة من منظمة( كيمونكس) زاد الأمر سوءًا، وهو ما ينذر بكارثة على قطاع التعليم، كما توقف عمل الكثير من المدرسين في البلدة، وقد ناشدنا منظمات عديدة متخصصة بدعم الجانب التعليمي في الشمال السوري، لكن دون أدنى فائدة”
وأكد الأستاذ (جهاد) أن “العمل حالياً ضمن المدرسة تطوعي، لكن لا يعلم إلى متى يمكن للمدرسين الاستمرار دون رواتب، وهو يعتقد بأنه إن طال الأمر عليهم سيبحثون عن فرص عمل أخرى وستبقى المدارس دون معلمين، ممَّا سيؤدي إلى تسرب الطلاب من المدارس.”
وأختتم الأستاذ جهاد قائلا: “ليس من المنطق أن يتم قطع الدعم عن المنشآت التعليمية، أو أي جانب آخر يتعلق بالمدنيين، بسبب تجاذبات الحالة السياسية أو حتى تغير القوات المسيطرة على الأرض، نطالب وبشكل فوري، إعادة تفعيل دور المنظمات الداعمة للقطاع التعليمي في الشمال السوري، حتى نستمر في تقديم العملية التعليمية لطلابنا”
الآنسة (سمر) مُدرِّسة رياضيات في إعدادية كفرلاته قالت: “أعمل مُدرِّسة رياضيات منذ أكثر من ثلاث سنوات وأتبع ملاك مديرية التربية الحرة، وأتقاضى راتبي شهرياً دون عناء أو تكاليف عن طريق مكاتب الحوالات الموجودة بكل مدينة وبلدة، لكن مع إيقاف الدعم عن التعليم هذا العام مازلت أتابع عملي في تدريس مادة الرياضيات بشكل تطوعي حرصًا مني على المستقبل العلمي لطلابنا “
وعلى الرّغم من جهود المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري المحرر بالتعاون مع المجالس المحلية لتحسين عملية التعليم والمطالبة بتقديم الدعم اللازم لاستمرارها، إلا أنّ عدد المدارس التي تستقبل الطلاب لا يكفي للعدد الكبير من الطلاب وخاصة بعد تهجير الكثير من كل المحافظات السورية.
الجدير ذكره أنه قبل الحرب كان جميع الأطفال في سورية تقريباً مسجلين في المدارس الابتدائية، وكانت نسبة التعليم 95% للأعمار ما بين 15 حتى 24 عاماً، أما بعد مرور 9 سنوات على الحرب فهناك الآن نحو 3 ملايين طفل لا يذهبون إلى المدارس، وأصبحت سورية في المرتبة الأولى في أقل نسبة تسجيل للأطفال في المدارس.