د. علي بن حمزة العُمري
قديماً كان العرب يتحدثون وفق مبادئهم وإستراتيجياتهم الخاصة بشكل واضح وصريح ومعلن، نعم قد يكون في الرؤية غبش، لكنه في المآل صريح ومنسجم مع مبادئهم المعلنة.وفي عصر العرب اليوم صورة مشوهة عن ذلك الواقع الجاهلي الكالح، إنها صورة واضحة غير صريحة، وإن كان الطرفان يتفقان في إعلان النتائج.عرب الجاهلية يتكلمون وفق المبادئ الصارمة التي يعتقدونها وافقت العقل والفطرة والإنسانية أم ضربت بكل ذلك عرض الحائط.أما مجموعة عرب الشانزليزيه ومنتجعات سويسرا، والأبراج العاجية والمسطحات المائية، هنا وهناك، ممن يحملون عقولهم وحواشيهم وأرصدة بنوكهم معهم، فإنهم يتكلمون بأيدلوجية لخصها وزير الداخلية الفرنسي عند افتتاحه المسجد الكبير بباريس (1993م) بقوله: عندنا مسلمو فرنسا، ومسلمون في فرنسا!وصدق الرجل، فهو وزير داخلية، ويعلم أحوال المسلمين الداخلية جيداً، واختار أن يقول ذلك في مسجد المسلمين وأمام المصلين!!ولعل تلك العبارة لخصها شاعر الإنسانية سليم عبد القادر عندما قال:إن تبتدر يوماً غاية لمهزلةٍ تلقى السوابق منَّا والمصلينا!وإذا كانت هذه المهزلة من المصلين، فإنهم قطعاً ليسوا ممن تحققت فيهم المعادلة القرآنية (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت: 45].إذ ماذا يمكن أن نفسر قول وجيه عربي توضع في قنواته كل ألوان الطيف، من رقة الرومانسية إلى جنونها: أنا أضع ذلك في قنواتي، من باب المصلحة حتى لا يتجه الناس إلى ما هو أسوأ؟!ثم بماذا نعلِّق على قول وجيه عربي آخر: لا أترك الصلاة أبداً، ونقدم كل ما يمتع المشاهد العربي. وقنواته لا تهدأ حتى في رمضان عن كل لقطات السخونة؟!وماذا نقول عن كل من يلعب باليورو والدولارات والريالات في البنوك الربوية، والبورصات القمارية، ثم يقول: إن بنوكنا تدعم الأعمال الخيرية داخلياً وخارجياً.ولو أن كلا منهم ستر خيبته لهان الأمر، ولكنه لا يقبل أن يمضي في الدرب لوحده، دون أن يكون له تنظير وأعوان وأتباع ومشاهدون ومعجبون ومتابعون ومهتمون ومقلدون.والأمر من هذا كله أن يجد هؤلاء ممن يضعون لحى خفيفة أو كثيفة، وممن يحملون شهادة شرعية من أي جامعة أو حتى وكالة كانت، ليصوروا لهم كل خطوات الخسة التي يقومون بها، أنها هي الطريق الوحيد في عصر اليوم لكسب الناس، والنفع العام، ومساندة الجمهور العريض، فالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا تتقبل إلا شخصيات يضربون على وتر القمصان الخفيفة، واللقطات الرقيقة.إي والله هكذا يفكرون، وهكذا يخططون!!وقد حكى لي صديق أنه جلس مع أحد هؤلاء الوجهاء في سفينة ابن زعيم عربي، وكان يُعرض فيها كل البرامج التي ستقدم في قناة هذا الوجيه، والشيكات تنتظر التوقيع بعد المشاهدة، وهي من طراز مشكلات الحب التي تبدأ ولا تنتهي بكل اللغات العربية والأجنبية والعثمانية.أما العلماء.. فيكفيهم الإجماع السكوتي على دحرجة الأمة دولة بعد دولة في كماشة أعداء الدين والعروبة، والسعي للملمة الوحدة الوطنية في بلدانهم على نظام غوار (حارة كل مين إيدو ألو)، وعلى مقطوعة (أحمد مطر):وطني ثوب مرقع.. كل جزء فيه مصنوع بمصنع!صنف العلماء هذا، ليس في قاموسه الشجاعة لقول كلمة مقاومة شريفة، أو جهاد صحيح، لكنه مستعد أن يتكلم فقط عن المقاومة غير الشريفة والتطرف غير الصحيح.وأما صنف الأمراء فتعرفهم بسيماهم، في تمجيد للهو والعبث الأخلاقي والسرقة العامة، والأنانية المنتفخة، والوجه الخائب.والأمراء بما تحويه دلالة هذه الكلمة من إيحاء مباشر، أو اشتراك لفظي غير مباشر، فهم أصحاب المال والسلطة المروجون لفقه الوقاحة.وهذه الحقيقة الإسلامية العربية الثابتة لسنا المتفردين في تجليتها، بل حتى فلاسفة الغرب شاركونا في إجلائها، كما قال (فوكو): السلطة تحكم المعرفة!!وهذا حق، لأن الفكر الحقيقي، والنظريات والدساتير ستفقد قوتها وفعاليتها، وتتحول إلى نظريات بشكل مخفَّف ليِّن، كما يقول (إدوارد سعيد) في نظريته (نظرية التجوال).ورحم الله زماناً كان يروي الراوي فيه: “أن نعيمان أو ابن نعيمان -صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- أُتي به وهو سكران، فشقَّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر من في البيت أن يضربوه بالجريد والنعال، فكنت ممن ضربه”.وما رواه أبو هريرة عن رجل شرب الخمر، فقال عليه الصلاة والسلام: “اضربوه. قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله!، قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان”. والحديثان في البخاري.ويظهر أن إعانة الشيطان في زمن الوقاحة مفروضة علينا في كل مكان!!كما يبدو أن (فقه الوقاحة) سيتخصص فيه مفكرون لتحليل مناهجه الجديدة، طالما أحدث الناس من فجور على حد تعبير عمر بن عبد العزيز، رحمه الله.