عبير علي الحسن
أن تحترم عقيدتك يعني أنَّك تحترم نفسك، تحترم خالقك و تجلُّه، تأمر بمعروف وتنهى عن منكر، وتُظهر للملأ سماحةً وصلاحا.
ما تحمله من عقيدة في أضعف حالات إيمانك يجنبك معصية فتصبر على طاعة و تحقق توازناً بين ما تريده أنت وما يريده الخالق، تعرف ما لك و ما عليك، وتستطيع التفرقة بين حقوق الناس وحقوق الرب وما أنت فاعلٌ حيالهما، غير أنَّ ذلك كله لا يتطلب الكثير، إذ بإمكانك أن تكون وسطاً عدولا لا مفرطاً ولا جائراً، فقط بأن تعرف أنك لست على صواب محض، بل تسعى لأن تكون مصيباً وأن تدرك أنك مُشَرَّعٌ له ولست مُشَرِّعاً لهم، وبعبارة أخرى تذكّر أنَّك بشر قد تخطئ مراراً لتصيب مرة، فلا تتعالى على أحد، ولا تطغَ في تفكيرك لتجعل منه عين الحق وما دونه عين الباطل.
في حنايا الحياة والحرب يعد توخي الفتن من أشق المشقات وأهمها، وقد كان الصالحون من السلف والخلف يتواصون بالإحسان في كلِّ شيء بشقيه حسن الظن وحسن التطبيق، فكيف لجماعات مستحدثة في الفترة الأخيرة أن تغفل عن نهج من تدعي إعلاء رايته ورفع كلمته! وكيف لها أن تطلق الأحكام بتشريعاتها الخاصة دون تشريعها السماوي؟! لعلَّ أبرز ما نعانيه اليوم هو الواقع الأليم لتلك الجماعات وتكفيرها المطلق لكل من يأتي على خلاف قياسها، مع أنَّ الأصل في ذلك أن يكون مبنياً على أصول فقهية محددة وواضحة من الكتاب والسنة والإجماع وما عمل الصحابة به.
لكنهم فيما يتضح حديثو انتماء للملة، فلا يتبعون نصا ولا يسيرون على نهج، وكأنَّ عقولهم قد تشربت أصول الدين قبل أن تطهُر وتصلح، لذلك تراهم يتهاونون برمي المسلمين بالكفر واتهامهم بالزندقة متجاهلين أن ليس لأحد أن يكفّر مسلما وإن أخطأ حتى تقام عليه الحجة وتبيّن له المحجة، فلا ندري ما حالهم!! أيحكمون بالهوى والمشيئة؟ أم أنَّ أعداء الدين قد علموا أنَّ سرطان التكفير هو الحل الأمثل لإحداث نكسة دينية وفشل جسماني في وحدة صفوف المسلمين، ذلك أنَّ تمزيق الأمة لا يحتاج إلى طائرات ودبابات وجنود مدججة بالسلاح مادام أبناؤها يقتلون بعضهم بعضا بحدود متجنية حدّوها لهم، ألا ساء ما يحكمون.
ما لم يكن بالحسبان أنَّ سرطان التكفير قد لاقى قبولا وترحيبا في جسد الأمة، وتوغل فيه حتى صار الصغير والكبير والعالم والجاهل على حدٍ سواء يرمون من يخالفهم في وجهة نظر أو اعتقاد أو اجتهاد بالكفر الصريح علناً متعدين بهذا على ما حدّه الله، آخذين بما حدّت نفوسهم.
الغريب في ذلك أنَّ عقولا واعية تملك من الفهم السليم وحقائق الدين وتعاليمه ما لا يملكه أكثر الناس تعجز عن التفكير في المتشابكات السياسية والاجتماعية، وتقف موقفا متأنياً منها بلا عجل، وعقول لا تفقه ما تقول تسارع في تصدير الأحكام وتطبيقها على أنَّها كلام الله وحقه حتى وإن واجهتها في ذلك سرعان ما تلحقك أنت الآخر في زمرة من تكفرهم، ثم إنَّ أقرب ما يتبادر إلى الأذهان أولئك الخوارج الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه و كفَّروه في قضية التحكيم معلنين انشقاقهم و انفصالهم عن قالب الأمة الموحد في زمن كانت فيه الفتنة سيدة المواقف، و في وقت كان الانشقاق فيه يعد تهديدا خطيرا للوجود الإسلامي وسيادته، ومع ذلك لم يكفرهم بل قال عنهم: « من الكفر فروا » ..!!
فأين نحن اليوم من هذا؟ وإلى متى نستمر على ما نحن عليه من كبْر وعند؟! فطائفة تكفر فصيلا، وفصيل يكفر فرقة، وفرقة تفكر جماعة، وهمة الكفر واقعة علينا بألسنتنا تماماً كما أراد أعداؤنا، أيُّ نصرٍ نبتغي وجميعنا كافرون ؟! أهذا حال العقيدة التي نموت دونها ونبذل كلَّ غالٍ ونفيس دفاعا عنها؟ أم علينا الاعتراف أنَّ هناك فهما مغلوطا وجب تصحيحه والتوبة عنه حتى نبلغ هدفنا الأساسي ويحقق الله نصره بأيدينا؟