باسل إسماعيل |
شهدت المناطق المحررة في محافظة إدلب وريفها اعتداءات على الأراضي العامة (أملاك الدولة) وسط تجاهل للمخططات التنظيمية التي تحمي المدن من التضخم والبناء العشوائي، إضافة إلى استغلال وجود الفوضى في البلاد، وعدم وجود سلطة رادعة لهذه التجاوزات تقوم بحماية الأملاك العامة وتمنع التعدي عليها.
هناك نظرة تقليدية متوارثة لدى أغلب السكان وهي النظر إلى الأملاك العامة على أنها أملاك يمكن التعدي عليها، أو في أحسن الأحوال الاستهتار بها.
ولا يُعد التعدي على أملاك الدولة من وجهة نظر بعض السكان من المحرمات، بل هو في نظر البعض (شطارة).
الأملاك العامة في أغلب الحالات غير محترمة، والشاطر من يستخلص حصته منها وخاصة في الوقت الراهن، إذ يمكن إرجاع ما يحصل من تعدٍّ على أملاك الدولة إلى أنه رغبة في الانتقام من النظام وخاصة الشرائح الاجتماعية المحبطة اقتصاديًا ونفسيًا وهؤلاء كُثر هذه الأيام.
تلقت (صحيفة حبر) من مصدر رفض الكشف عن اسمه يقيم في شارع الثلاثين بمدينة إدلب، معلومات عن بناء تم تشييده وسط الشارع بالقرب من (حديقة الزير) قاطعًا الطريق الإسفلتي ومتسببًا بإعاقة حركة مرور السيارات والدراجات النارية والمارة سيرًا على الأقدام.
وأضاف المصدر أن “البناء مؤلف من ستة طوابق، تم تشييده حديثًا في الحي في تعدٍ واضح على الطريق وعلى مرأى من الجميع.” مشيرًا إلى أنه لم تقدم أي جهة مدنية أو عسكرية على إيقاف بناء المبنى، وهذا ما أثار حفيظة قاطني الحي، وسط تساؤلات عن مالك المبنى.
وأوضح المصدر بأن معظم قاطني الحي تولدت لهم القناعة التامة بأن مالك المبنى، وكما يقال بالعامية، مدعوم من الفصائل العسكرية أو من المحسوبين على حكومة الإنقاذ، ولولا ذلك لما تجرأ على بناء المبنى وسط الشارع، وهذا التصور دفع سكان الحي للسكوت وعدم قيامهم بتقديم أي شكوى.
وبسؤالنا للمصدر عن نسبة التجاوزات في المدينة قال: “نسبة التجاوزات بعد الثورة زادت 70% عن قبلها.” وقد عدَّ التعدي على الأملاك العامة ليس فقط تعديًا على أملاك الدولة، بل هو تعدٍّ على حقوق المواطنين.
منوهًا “في بداية الثورة لم تعر الفصائل العسكرية هذا الأمر أي أهمية نظرًا لانشغالها بالقتال على الجبهات، وانشغال المحاكم بفض النزاعات وضبط السرقات وغيرها، إلا أن زيادة حالات الاعتداء على أملاك الدولة يحتم على حكومة الإنقاذ أخذ دورها كونها سلطة مدنية، ووضع حد لهذه الاعتداءات المتكررة.
وأكد المصدر أن “هناك الكثير من أملاك الدولة ماتزال مستباحة من جهة الاستغلاليين الذين لا يكفون عن وضع أيديهم على أراضٍ جديدة تعود ملكيتها للدولة، حتى أن البعض راحوا يبيعون منازلهم وأملاكهم ليقوموا ببناء منازل جديدة لهم في أراضي الدولة.
لقد عانى شعبنا ما عاناه من بطش النظام واستبداده على مدى سنوات، سواء قبل الثورة حيث الضرائب الباهظة لقاء السماح بالبناء، أو بعدها من خلال هدم المنازل وتشريد الأهالي وإجبارهم على الهجرة والنزوح واللجوء.
ومع غياب القوانين الصارمة، يبقى استهتار البعض، وعدم شعورهم بالمسؤولية تجاه الأملاك العامة، مشكلة لا حل لها رغم بعض المحاولات لتسويتها والحد منها.
إن تنامي أطماع أصحاب النفوذ، وضعف القضاء، وعدم وجود هيئات حقوقية قادرة على حماية تلك الممتلكات والدفاع عنها بموجب القانون، وتوثيق التجاوزات الواقعة عليها، إضافة إلى ضعف الوعي العام في المجتمع تجاه مفهوم الأملاك العامة، عزز الاعتداءات عليها.
ولا يفوتنا أن الحرب الدائرة في سورية منذ عام 2012 تسببت بإلحاق أضرار كبيرة بالممتلكات العامة وتجريدها من امتيازاتها وتركها عرضة للتدمير ومختلف أشكال التعديات دون أدنى حماية.