علي سندة |
ما إن ذُكر مفهوم السياسية حتى ينصرف الذهن إلى (علم الدولة)، فالسياسة هي رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، فما علاقة السياسة بالنفس الإنسانية؟ وما الأسس التي تستند إليها النفس الإنسانية في سياستها مع الله؟
إن علاقة النفس الإنسانية بالسياسة كالعلاقة بين الساسة والدولة من حيث المهام، فالنفس أيضًا كما الدولة تحتاج من الفرد المسؤول عنها رعاية شؤونها الداخلية والخارجية، ومتى فقد الإنسان السيطرة على نفسه تتغير السياسة الداخلية والخارجية، ويصبح غير متحكم بها، وهنا يصلح أن نسقط تعريف السياسة من باب الواقعية، إذ تتطلب حالة عدم السيطرة من الإنسان دراسة الواقع النفسي له وتغييره موضوعيًا كي يستطيع العودة إلى التحكم والسيطرة، لأن المُتحكِّم هنا الشيطان الذي يقود صاحب النفس إلى الشهوات وملذات الدنيا، ولا ينفع معه سوى اللعن والطرد لإعادة السيطرة والتحكم بالنفس وتحقيق السياسية الصحيحة في العلاقة مع الله والخلق.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي يرويه سيدنا عمر رضي الله عنه: ” إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ , وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا , فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.”
في هذ الحديث نتلمس أساسًا جدّ مهم في السياسة النفسية على الصعيدين الداخلي والخارجي للإنسان، ألا وهو “العلاقة بين ظاهر النفس وباطنها” لأن الأعمال الظاهرية التي يقوم بها الإنسان تُقارن مع الباطن، فالعمل الصالح الذي يوافق الباطن بصلاحه مقبول ظاهره، والعمل المخالف الذي يفسد الباطن مردود بالضرورة، أما العمل الذي ظاهره صلاح وباطنه فساد لسوء النية مردود على الإنسان مع خسارة ظَاهره لفساد الباطن، وإن كثرت تلك الأعمال.
لذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى حضَّ على ترك ظاهر الإثم وباطنه، وذلك قي قوله تعالى: “وذروا ظَاهر الْإِثْم وباطنه إِن الَّذين يَكْسِبُونَ الْإِثْم سيجزون بِمَا كَانُوا يقترفون” الأنعام 120، وقد قال (القرطبي) في تفسيره لهذه الآية: ” قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) للعلماء فيه أقوال كثيرة وحاصلها راجع إلى أنَّ الظَّاهر ما كان عَمَلًا بالبَدَن ممَّا نَهَى اللَّهُ عنه، وباطنه ما عقد بالقَلب من مُخَالَفَةِ أمر اللَّه فيما أَمَرَ وَنَهَى، وهذه المرتبَة لَا يَبْلغُهَا إِلَّا من اتَّقَى وَأَحْسَنَ.”
إذًا إن أساس تحقيق سياسة النفس من باب رعاية شؤونها الداخلية والخارجية مرتبط برد ظاهر العمل على الباطن، ويؤكد ذلك أيضًا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحْت صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» فالقلب شيء باطن تتعلق به النية، فإذا راعى الإنسان شأنه الداخلي بقلبه صلُح عمله الخارجي وقُبل.
إن معرفة الحق والإقرار به يتطلب من العبد فرائض ظاهرة متعلقة بفرض باطن هو صدق النية أو نقاء القلب وتطهير النفس، وهذا أس الأسس في سياسة النفس وإدارتها.