تبدأ شرارة المشكلة من رغبة بعض الآباء بتقييد أبنائهم وصقلهم بطريقتهم الخاصة من زاوية يرونها الأنجع والأقوم لحال ولدهم لكي يغدو إنسانًا ناجحاً، فيبدأ هؤلاء بجز عشب الإبداع عند الطفل بمقص العادات تارة والتقاليد تارة أخرى غير مدركين لفعلهم، فإذا كان الطفل ضعيف الشخصية فسرعان ما سيعلن الوالد نصره، على عكس الآباء الذين يقيمون جسرًا بينهم وبين أبنائهم يكون صلة للتواصل واكتشاف المواهب وتنميتها، ويبثون من خلاله ما توارثوه من قيم وأخلاق حميدة من الأجداد مراعين الحياة وتطورها وانجذاب ابنهم لها فيكون دورهم الموجه الناصح في ضوء المعطيات الزمانية والمكانية، لكن المشكلة تكمن عند الآباء الذين يحاولون فرض ما تعلموه من آبائهم على أبنائهم غير مراعين للتغيرات والتطورات الحياتية على اختلافها، فبطريقتهم تلك يصبح الطفل متمرداً إذا لم يتقبلها، وتتفاقم المشكلة ويُدق ناقوس الخطر معلنًا الانفجار القريب عندما يدخل الطفل في مرحلة المراهقة ليكوّن كياناً مستقلاً له آراؤه ومبادئه وذوقه وأسلوبه المتفرد.
إن مشكلة الراية التي يحاول الوالد تسليمها لولده من بعده تكمن في عدة نقاط منها عدم اقتناع الولد بالراية والفكرة والمنهج الذي يسير عليه الوالد، ويعود ذلك لصعوبة التواصل أو انعدامه وعدم رغبة أحد الطرفين في تقبل الآخر، وكذلك فظاظة الأسلوب في تسليم الراية والمقاليد، وسير الوالد على خطى من تسلم منه الراية واتباع نمط الأسلوب الواحد في التربية والتعليم، وإغفال الفوارق الفردية والأماكن والأزمنة التي عاش بها كلا الطرفين، و محاولة استنساخ الأب نسخة طبق الأصل عنه، وغياب منظار النقص لدى الآباء لذواتهم فتكون النظرة على أنه الشخصية الأفضل في الأفكار والمبادئ والقيم والمعايير العامة.
وكذلك نجد النظرة الدونية التي ينظر بها الأب للولد، وكذلك محاول الولد تكوين شخصية (إمبرطورية) مستقلة ومتميزة بعيدًا عن مملكة الوالد التي يرفض الولد أن يكون تابعاً ويرفض الأب أن يشاركه أحد الرأي ويكون بذلك شريكاً بالحكم، وكذلك غياب المناقشة الهادئة والنقد المحترم في كلا الدورين، فالوالد لا يتقبل نقداً أو مواجهة علنية بخطأ قد ارتكبه، والولد يرى أن مناقشته من قبل الأب هي تقييد لحريته وتدخل في خصوصياته.
إن جوهر المشكلة وعلاجها في الوقت ذاته يكون عند الأب، إذ إن الثقافة التربوية والأسرية تغيب عن الساحة لدى بعض الآباء على اختلاف مشاربهم وعلمهم، فتجده أتقن فن الضرب والتوبيخ والصراخ ويرى في بقية الأساليب التي تعتمد على المحاورة والملاطفة انتقاصاً من رجولته في تربية أبنائه، لكن هذا لا يعني أن الولد بعيد عن المشكلة، لكن الطبيعة الفيزيولوجية للولد تحميه من حمل المشكلة بكاملها وقد شاركه في طرفها الآخر إنسان بالغ عاقل ناضج، إذ يتوجب على الولد المسايسة تارة والإذعان لأوامر الوالد تارة أخرى، وهنا يجب على الوالد بالوقت نفسه ألا يطلق العنان لرغبة الولد فيكون بذلك سبباً في إفساد طباع الناشئ.
وأما بالنسبة إلى دور الأم فالأفضل في هذا الحال أن تسعى لتقريب وجهات النظر والآراء وتأليف القلوب عبر اجتماعات هادئة تنظمها وتعالج فيها بعض المشاكل وتسد الثغرات وتزيل إشارات الاستفهام التي تبقى مرسومة في عقل الناشئ من تصرفات الوالد تجاهه.
يقول المثل: “إذا كبر ابنك خاويه” يعني ذلك أيها الأب عندما يبدأ ابنك بالكبر وامتلاك الوعي اجعله بمنزلة أخيك وبالتالي اجعله صديقك، فإذا كان كذلك دخلت إلى أعماقه وفهمته جيدًا وبذلك تحقق غايتك في تربيته وغايته التي يرومها ويطمح إليها.