علي سندة |
انقضى شهر الصيام، وجاء العيد وانقضى بعده أسبوع ونصف، لكن سأعود إلى أيام قُبيل العيد وإبَّانه وآراء البعض بالعيد من خلال رسائلهم التي بثُّوها على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أن هذا العيد ترافق مع نزوح للأهالي وقصف ومجازر كثيرة للنظام وروسيا طالت أرياف حماة وإدلب وحلب.
أولاً من حق كل مسلم صائم مهما كان وضعه الاجتماعي أن يُحدث نفسه بانقضاء شهر الصيام وبلوغ العيد حتى يُفطر ويُنهي فرض الصيام سائلاً الله القبول، وهذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه” إلى آخر الحديث، فمن حق الصائمين في سورية الجريحة منذ ثماني سنوات أن يتحضروا للعيد تعبيرًا عن الفرح لاستقباله، وأن يدعوا الناس بعضهم بعضًا للفرح كون العيد يوم من أيام الله شرعه الله للمسلمين مرتين في العام (عيد الفطر والأضحى)، والتحضر للعيد يكون قبل أيام، وهذا له عدة مظاهر كلها تندرج ضمن الفرح بقدومه، كتجهيز البيت وتنظيفه، وشراء اللباس الجديد خاصة للأطفال، بل الكثير يُفكر مع عائلته بما يُسمونه (طبخة العيد) لتحضيرها، والناس مختلفون بتلك التحضيرات كل حسب استطاعته، ولا أحد يلوم أحد فيما يُحضره، وكلٌّ يجد مكانًا للفرح حتى بينه وبين نفسه ولو لأجل فِطره فحسب، وإذا كان يوم العيد، كانت التهاني والأدعية بين الأفراد وصلة الأرحام.. إلخ، والناس خاصة في الداخل السوري المنكوب جراء القصف والعمليات العسكرية الأخيرة مختلفون بتعابيرهم عن فرحهم بالعيد، إذ لا يكاد يخلو بيت من أسى ولو كان قديمًا يتفتق بالعيد ويظهر.
لكن في هذا العيد الذي ترافق مع نزوح الأهالي تحت الزيتون، وشدة القصف الذي تشهده المنطقة، ثمة من وضع على الجرح ملحًا، وزاد المهمومين همَّا، وحفز غيره من المتابعين للتفاعل بما روَّجه فحذوا حذوه فيما قاله، ربما من باب التقليد، أو عدوى وسائل التواصل، أو كيلا يُظن أنهم غير ثوريين ولا يشعرون بالبقية المشردين الذين قضوا عيدهم تحت أشجار الزيتون، أو الذين أُصيبوا بحزن لِما لاقوه من تشرد أو فقدٍ للأحبة أو حرق أرزاقهم قَبل حصادها…، إذ رأينا بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي أحبَّ ركوب موجة القصف والحالة السيئة على مبدأ (لازم أحزن في العيد)، والحقيقة ذلك الصنف في طمأنينة سواء من هم خارج سورية أم من هم داخلها، وهم غير معرضين لما يُصيب البقية من ألم، وهؤلاء لو شاهدنا منشوراتهم وتبريكاتهم في العيد لَما خلت من مبدأ (زاد الطين بِلة) فتراهم يكتبون: “فطر حزين، لا عيد وأهلنا مشردون، لن نفرح بأعيادنا حتى يسقط الأسد، لا عيد والمعتقلون في السجون، …إلخ) فيستدعون الألم ليعيشوه على وسائل التواصل ويسوقوه للبقية، وفي الوقت نفسه لو قلبت صفحاتهم على فيس بوك مثلاً، لرأيت صور حلويات العيد، والصور التذكارية مع أهلهم وأحبتهم أثناء زيارات العيد وصور أطفالهم بلباس العيد، إلى آخره من مظاهر الفرح، فكيف يستقيم ذلك عندهم؟!
ذلك النمط بات حقيقة موجودة في كل عيد، يعيش فرحه بالعيد في بيته وبين أحبته، وفي الوقت نفسه يُسوق استياءه من قدوم العيد بعبارات مفادها: لا عيد لنا وأهلنا يقصفون ويشردون ويموتون..، والحقيقة هؤلاء بفعلتهم التي إن كانوا صادقين بها فما هكذا تورد الإبل، إذ حري بهم أن يكسِّروا عن إخوانهم بعبارات تحضُّهم على الخروج من حالتهم وتهنئهم بالعيد وتشد من عزمهم وتذكرهم أن العيد شعيرة من شعائر الله…، وإن لم يكن قصدهم ذلك فقد نافقوا.
في المقابل هناك طرف يحثُّ على الفرح من رحم الألم عكس الصنف السابق، لأن العيد عندهم فرح وتهليل وتكبير وتعظيم لله عز وجلَّ، هذا الطرف لا يرضى أن يكون فأل شر في يوم سعد لأنه يعي قوله سبحانه وتعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” الحج/32