في متابعة لرصد مختلف المواقف الإقليمية، كان الموقف السعودي يتبنى خطاباً داعماً للثورة له أسبابه في البداية، وهو دعم الثورات للسيطرة على تمددها، والحفاظ عنها بعيداً عن المملكة، وعن النجاحات الكبرى التي تجعلها مغرية لكلِّ الشعوب، لكن هذا الموقف تغيّر جذرياً عندما بدأ هذا التمدد يطغى على محاولة حصره في نطق ضيقة.
التعامل الشعبي مع الخطاب السعودي لم يتميز بالثقة أبداً، ولا بحسن النية، ولا بمحاولة خلق المصالح المشتركة من أجل نصر محتمل للثورة، بل تعامل معه كممول فقط، وتبعه في ذلك عدد من السياسيين والعسكريين، الذين حاولوا فقط التعامل بانتهازية مع المملكة التي اضطرت للضغط بشكل كبير لتأمين قيادتها للملف السوري كما تراها هي، وتقليص نفوذ الأخوان في سورية بعد القضاء عليهم في مصر.
مصر كانت قد تبنت خطابين، أحدهما كان متماهياً مع الثورة أيام حكم الرئيس محمد مرسي، ولا شكَّ في أنَّ وجود رفقاء المنهج على الجانب السوري سهَّل هذا التماهي في طموح كامل لسيطرة الأخوان على قيادات دول الربيع العربي، ثم ما لبثت حكومة الانقلاب أن تبنت موقفاً معاديا، كان أقرب للتوجه الروسي في المنطقة، حل المشكلة بعد إخماد الثورة، وليس جعل الثورة طرفاُ فيها.
إنَّ أبرز الخطابات المحيّرة كان الخطاب الفلسطيني، ولا أنكر هنا انحيازي لما أسميه الخبرة في هذا الخطاب، لقد كان من أكثر الخطابات وعياً في التعامل مع القضية السورية، ولم يتأثر برد الفعل الشعبي عليه كثيراً، فقد كانت المصلحة وحساسية القضية الفلسطينية أكثر تأثيراً وأهمية، وربَّما هو ما علينا تعلمه من أجل خطاب سياسي واعٍ في سورية، ووعي شعبي لهذا الخطاب ومتطلباته.
ببساطة ودون دخول في تعقيدات تطيل السرد، فقد كان خطاب حركة فتح ومن معها خطاباً سعودياً خالصاً، واتَّسم بعدم الظهور كثيراً، على عكس خطاب حركة حماس، حيث برع مسؤولوها في تصدير خطابين، أحدهما رسمي حاول الحفاظ على كلِّ التوازنات الممكنة، والعلاقات المميزة مع الدول والكيانات الداعمة للقضية الفلسطينية، بغض النظر عن موقف هذه الدول من القضية السورية، وخطاب غير رسمي قام بترويجه الصف الثاني والثالث من قادة الحركة، يشرح بوضوح وقوف حماس مع حقوق الشعب السوري وثورته، ودعمها بكل شيء ممكن، مع شرح ضرورات تفهم الموقف الرسمي المختلف بسبب حساسية ومصلحة القضية الفلسطينية، ودعم صدقية هذا الموقف بعض الإشارات المتعمدة من قادة الحركة تجاه ثورة سورية، زاد من حدتها إعلان القطيعة من النظام السوري، دون إعلان القطيعة نفسها مع حلفائه الذين تعتبرهم حماس من أقوى داعميها في المنطقة. وقد اضطرت لتثبت هذه العلاقة وتمييزها عن القطيعة مع نظام سورية إلى كثير من التحالفات الجديدة مع هذه القوى بما يصبُّ في مصلحة فلسطين، ليكون شكل إدارة هذه العلاقة هي الأعقد والأكثر إثارة للجدل، والتي تتلخص في ضرورة التقليل من أعدائك مع عدم التخلي عن الأصدقاء، ووضع مصلحة الوطن في إطار الممكن لكلِّ المرحلة على رأس الأولويات، وعدم الانجرار نحو العاطفة.
المدير العام | أحمد وديع العبسي