المشهد الشعبي في سورية تجاه مختلف هذه الخطابات والمواقف التي عُرضت في المقالات السابقة كان انفعالياً جداً، يسرع إلى التخوين وخلق العداءات، وعدم تقدير المصلحة إطلاقاً، كانت الثورة وخطابها المثالي الذي يغذّيه الشباب الثائر بدون وعي يسيطر على كل شيء، كأنَّ هؤلاء الثوار سيعيدون إصلاح وجه الأرض، ومرة أخرى باستغلال عاطفي ديني راديكالي كبير.
استطاع النظام تغيير الموقف الدولي بخلق داعش التي دعمته كمسيطر على الفوضى التي لم يستطع الثوار السيطرة عليها، خاصة وأنَّ داعش قد خرجت بحسب وجهة النظر الدولية من بين صفوف الثوار، وكان لعدم اتخاذ موقف حازم منها منذ البدايات دورٌ كبيرٌ في حجب الثقة الدولية عن معظم فصائل الثورة، وعدم اعتبارها كشريك حقيقي في مرحلة ما بعد النظام، ممَّا جعل التيار الدولي يتمهل في دعم إسقاط النظام، لغاية إيجاد بديل حقيقي، أو سيضطر لإعادة تعويم النظام مرة أخرى كما يجري الآن …
أمّا بالنسبة إلى المواقف الدولية فقد تميزت سياسية أوباما تجاه سورية بالروية، ومحاولة تحقيق المصالح عبر الحلفاء بدلاً من التدخل المباشر، والاكتفاء بإدارة الملف السوري عالمياً، مع خطاب ذي وتيرة متعالية كان حاسماً تجاه ضرورة إسقاط النظام ورحيل الأسد في مختلف أجزائه، يتخللها أحياناً لغة معتدلة تجاه النظام، بعد ظهور داعش وتماشياً مع مصالح الحلفاء في المنطقة خاصة روسيا، التي أبدت تعاونا كبيراً مع الولايات المتحدة في إدارة الملف السوري، يختلف عن الصراعات القديمة تجاه باقي الملفات، وإن ظهر غير ذلك للإعلام.
لعب الموقف الأمريكي دوراً كبيراً في رفع السقف عند الجماهير التي صدَّقت أنَّ التدخل المشابه لما حصل في ليبيا قد يكون متاحاً لإسقاط النظام، فلم تعد أنصاف الحلول ممكنة، خاصة وأنَّ السياسيين انقسموا بين المتبنّي للموقف الأمريكي والواثق به، وبين من حاول تغليب لغة العقل وإعطاء أولوية للدور الإقليمي.
شعبياً ظهر أنصار الموقف الأمريكي كأبطال، على الأقل لأنَّهم تبنوا شكل المزاودات الشعبوية نفسها، وظهر أنصار الموقف الثاني كخونة يريدون التصالح مع الأعداء وإيقاف الثورة، وظهرت الراديكالية الدينية التي ستعيد الخلافة أو أحد أشكالها التي تلعن كلَّ شيء كالمهدي المنتظر الذي حشد حوله مختلف العواطف، دون أن يمتلك مشروعاً حقيقياً على الإطلاق، فقط العبارات والحماس والوعود الخاوية، كأنَّ الحرب تدار في صحراء الربع الخالي وليس في سورية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي