ترجمة:ضرار الخضر |
هل باتت الانتخابات الروسية نسخة عن الانتخابات العربية؟! المرشحون الحقيقيون يُودعون في السجون، ويسمح لبعض المهرجين بخوض الانتخابات كي يعطوا انطباعاً كاذباً بالمنافسة.
ستصوت روسيا في الانتخابات الرئاسية التي سيفوز فيها بوتين حتما، لكننا نعرف أن الانتخابات تعني المنافسة، فكيف يمكن للرئيس الحالي الذي قضى ثلاث فترات رئاسية ويحتكر السلطة في الكرملين منذ 1999 أن يضمن الفوز مقدماً.
الإجابة هي أن الانتخابات الروسية شكلية فقط، ففي الحقيقة هي مخزية ومجرد ستار مصمم لمنح الطغمة الحاكمة الفاسدة الاحترام الديمقراطي، ولا يبدو هذا غريباً على الروس الذين اعتادوا على أن تكون الطبقة الحاكمة فوق المساءلة، لكن المدهش هو صمت الديمقراطيات الغربية الذي يصل حدَّ التواطؤ.
وبالتأكيد سيفوز بوتين في 18 آذار، لأن النظام الذي أنشأه والمعروف تأدبا بـ “الديمقراطية المدارة” يُقصي كلَّ عوامل المفاجأة الحقيقية، فإلكسي نافلني (الذي لم يكن له فرصة للفوز أصلا) مُنِعَ من المشاركة لأسباب قانونية خادعة، ثم اعتُقل الشهر الماضي عندما كان يدعو الناس لمقاطعة الانتخابات.
فبوتين يسيطر على كافة منافذ التلفزيون الروسية ووسائل الإعلام الأخرى، ما يعني أن المعارضين الآخرين غير مرئيين تقريباً، إلا إذا كانوا في المحكمة بتهمة ما، وعلى النقيض من ذلك يحظى بوتين بتغطية شاملة على هذه الوسائل.
لا يوجد مناظرات رئاسية ولا استطلاعات رأي، المرشحون المنافسون موجودون، لكنهم يبدون شركاء مهمتهم إضفاء الشرعية على العملية، ومن بينهم فلاديمير جيرينوفسكي وهو من القوميين المتطرفين كثيري الصراخ، وبافل غرودينين مرشح الحزب الشيوعي الذي يدير شركة خصخصة تدعى مزرعة لينين الحكومية.
وكذلك كسينيا سوبتشاك وهي ليبرالية مؤيدة لحقوق المثليين وكانت تعمل مضيفة لبرنامج تلفزيوني، وتدعي أنها تمثل بديلا البوتينية (نموذج فلاديمير بوتين في الحكم)، ونالت لقب “باريس هيلتون الروسية” لخلفيتها الثرية، وعندما زارت جروزني معقل أمير الحرب الشيشاني وحليف بوتين رمضان قديروف، تحرّشت بها الشرطة أخذت مجموعة من الرجال تصرخ أنها تشبه الحصان.
وبعيدا عن المسرح السياسي وباستقراء الوضع الحالي، يمكن أن نعرف أن بوتين سيفوز فوزا ساحقا، فكل ما يهمه هو تحقيق نسبة مشاركة مرتفعة وهامش انتصار كبير يتجاوز 64% وهي النسبة التي فاز بها قبل ست سنوات، كما يريد إجراء انتخابات حرة ونزيهة ظاهرياً لتعزيز مصداقيته الدولية، وكيلا تتكرر المظاهرات المنددة كما حدث عام 2012.
وبكلمات أخرى يريد بوتين النجاح بطريقتين: منافسة انتخابية حقيقية وانتصار دون أدنى مخاطرة، ويبدو أنه يواجه التوفيق حتى الآن.
ولو جرت هذه الانتخابات المزيفة في إيران أو زيمبابوي أو فنزولا مثلا لتوالت صرخات الغضب من البيت الأبيض، لكن دونالد ترامب صامت بشكل غريب، لكن لماذا؟ الكل يعرف أن لدى ترامب ضعفا تجاه الرجل القوي في الكرملين، فهنالك العديد من القضايا الشخصية والسياسية والتجارية ماتزال قيد التحقيق الفيدرالي.
لكن وفقا لمعايير ترامب، فسلوك الإدارة الحالية غير مقبول مطلقاً، لأنه رفض تفعيل عقوبات إضافية ضد بوتين وحكومته كان الكونغرس قد وافق عليها العام الماضي، حتى بعد المعاملة القاسية التي عامل بها نافلني، وتناقص الديمقراطية الواضح في روسيا.
وجاء هذا التواطؤ رغم تقرير الأخير لغالبية أعضاء مجلس الشيوخ الذي شجب التهديد العالمي الذي تمثله روسيا بقيادة بوتين، لكن ترامب رد بتجاهله.
وقال التقرير: ” منذ سنوات عكفت حكومة فلاديمير بوتين على شنِّ هجوم لا هوادة فيه لتقويض الديمقراطية وسيادة القانون في الولايات المتحدة وأوروبا، ويستخدم بوتين الغزو الخارجي والهجمات الإلكترونية والتضليل ودعم الجماعات السياسية الهامشية والاستيلاء على منابع الطاقة، والجريمة المنظمة والفساد”.
وأضاف التقرير: ” إذا فشلت الولايات المتحدة في التعامل على وجه السرعة لمعالجة هذا التهديد المعقد والمتنامي، فإن هذا النظام سيواصل تطوير وتنمية ترسانته لاستخدامها ضد الديمقراطيات حول العالم، بما في ذلك ضد الانتخابات الأمريكية عام 2018 ولم يسبق في التاريخ أن تجاهل رئيسٌ للولايات المتحدة تهديداً واضحاً للأمن القومي كهذا التهديد”.
وليس ترامب وحده من يتعامى عن سلوك بوتين، فقد حمّلت (تيريزا ماي) بوتين مسؤولية التدخل في الانتخابات والاستفتاء خلال شهر تشرين الثاني الماضي، لكن لا هي ولا بوريس جونسن اعترضا على سرقة بوتين انتخابات بلاده، ويتناقض هذا الصمت تماما مع المخاوف البريطانية المعلنة بشأن دعم الديمقراطيات في أفريقيا وأماكن أخرى.
ولم تكن فرنسا وألمانيا أفضل حالا، فلم يتجاوز بيان الاتحاد الاوربي الذي صدر عقب استبعاد نافالني أن قال: “إن قرار منع نافالني يثير شكوكاً خطيرة حول التعددية السياسية في روسيا”.
لماذا هذا التناقض المخزي بل وحتى الاحترام تجاه نظام بوتين؟ إن عدم فاعلية الغرب في التمسك بالديمقراطية في موسكو يقابله ضعف في مسلسل التدخلات الروسية غير القانونية في أوكرانيا والبلقان وسورية، حيث ترتكب جرائم حرب يومية تحت إمرة بوتين.
الكاتب: سيمون تسدال المحرر المساعد في صحيفة الغارديان
صحيفة: الغارديان البريطانية
رابط المقال الأصلي:
https://www.theguardian.com/commentisfree/2018/feb/08/vladimir-putin-russian-election-iran-zimbabwe