محمد نعمة |
طالعنا يوم الثلاثاء الماضي 10-12-2019م احتفالية اليوم العالمي لحقوق الإنسان الشهيرة إعلاميًا بشكل يغني عن ذكرها، وليس أيسر من سؤال غوغل عن تلك الحقوق المعتمدة عام 1948 من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم التعديلات عبر عشرات الاتفاقيات الخاصة بالعمال والمرأة وحقوق الطفل واللاجئين التي وُقع بعضها وعُدل مطلع الألفية الثانية.
لم تُوجد حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لها بل أُقرت سياسيًا، فهي حقوق عرفتها الأديان والفلسفات سابقًا، وإن اختلفت بعض جزئياتها، لكن الجدير بالذكر أن الإعلان لم يكن إلزاميًا، فسورية مثلاً لم تكن طرفًا في الاتفاقية التي تخص اللاجئين، كما أنها اشترطت في توقيعها بالاتفاقية التي تخص حقوق المرأة أو جرائم التعذيب ألا يُفهم من ذلك تعاون أو اعتراف بإسرائيل! في حين قرر دستور سورية 1973 أن الحرية حق مقدس، في تناقض واضح مع سياسية الأسد الأب الاستبدادية، وصوتت سورية لصالح إعلان منظمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان في الإسلام ، لكن متى اعترفت حقًا بتلك الحقوق خارج إطار منابر أبواق النظام؟
زمن مجازر حماة وحلب وسجن تدمر في الثمانينات؟ أم في حملة الاعتقالات السياسية إبان إعلان دمشق 2005؟
عندما خرجت الثورة السورية 2011 هل طالبت بشيء خارج إطار حقوق الإنسان؟ أليست الحرية والعدالة الاجتماعية وحق التعبير أحد أقدس تلك الحقوق؟! تلك الثورة التي واجهتها السلطة بحرمان الشعب من حق الحياة أصلاً، فكيف بحقوق الطفل الذي غدا يتيمًا محرومًا من حق السكن واللعب والتعلم، حتى حق الزواج وتأسيس الأسرة أصبح حلمًا في سورية التي يشيخ شبابها في جبهات القتال أو المهجر إلزامًا، في حين تجلس مزيد الفتيات عانسات تنتظر.
لقد سلب النظام الشعب السوري أكثر من حقوق الإنسان، عندما اغتصب المعتقلات وعذب آلاف المعتقلين بشكل وحشي لا تسمح به أدنى حدود الكرامة أو الإنسانية، وتتبع حقوق الإنسان بكل فقراتها لا لكي يطبقها بل ليتخطاها، وسكت العالم بحيث اقتنعت الأغلبية المقهورة أن هذه الحقوق للأقوياء فقط لا لبني البشر بغض النظر عن عرقهم ودينهم وجنسيتهم كما من المفترض أن تكون، وإلا لِمَ وقفت الأمم المتحدة متفرجة تدعي القلق إزاء الفيتو الروسي الذي حمى الأسد؟! لقد كانت مفارقة ذلك الإعلان العالمي عن الواقع أكثر ما شعر به المواطن السوري خلال سنوات الحرب السوداء.
ذات مرة تنبهت المفكرة (حنَّا آرندت) لفكرة مهمة في هذا السياق عندما عانت من ظروف مشابهة، ولاحظت أن حقوق الإنسان تصبح حبرًا على ورق عندما تقرر دولة أن تعتبر مواطنيها ليسوا مواطنين، ألم يحدث ذلك عندما ضُربت مناطق المعارضة بالكيماوي وحُوصرت وقُصفت بحجة تصنيفها إرهاب؟ ولم يتدخل أحد تحت بند وجوب الحماية الموجود في الأمم المتحدة مع أن العقوبات الجماعية جريمة بحق الإنسانية، واسأل إن شئت أي لاجئ سوري عن حقوقه في ظل عدم حمله لأوراق رسمية من الحكومة السورية التي دفعته للهجرة خوفًا من المصير المرعب.
عندما لا تكون مواطنًا لا تمنح حق اللجوء أو التعلم إلا بشراء الطريق لها بآلاف الدولارات إذا كنت محظوظًا بالبقاء على قيد الحياة.
إن الشعب السوري لم يحلم بأكثر من حياة بحقوق أقرت في تراثه ودينه وحضارته ومن ثم في حقوق الإنسان، لكن ربما كان ينقص إعلانات معاهدات تلك الحقوق، تقرير حق الإنسان في أن يأمل ويحلم أولاً، قبل حق التعبير والتغير.