الثامن والعشرون من تشرين الأول/أكتوبر …
كشيء يشبه المفاجأة سمعنا أخبار انطلاق المعركة الثانية، أصوات الصواريخ والتفجيرات شكّلت لنا طرباً من نوع خاص، كان غيابها الفترة الماضية مقلقاً جداً، هذا يعني أن المدينة سيتم إنقاذها قبل اشتداد الشتاء،
بدأت المعركة بانتصارات كبيرة سيطر فيها الثوار على ضاحية الأسد، وجزء كبير من قرية منيان، ومعمل الكرتون ومواقع أخرى، وخاضوا قتالاً عنيفًا على جبهات الزهراء والحمدانيةـ بدا الوضع جيداً، والنصر قريباً، كانت الصورة التي رسمها الأبطال عن أنفسهم في المعركة الأولى وسرعتهم في التحرير ماثلة أمام أعيننا، أيام قليلة ربما سنتجول في حلب كلها.
في اليوم الثالث للمعركة وبينما يتجهز الثوار خارج حلب لهجمة أخرى، ويتجهز المقاتلون في داخلها لتنفيذ خطتهم في محاصرة النظام بين معركتين، نشب قتال داخلي بين اثنين من أكبر فصائل المدينة، واستولى أحدها على الآخر تقريباً. وترك رجاله بلا سلاح ولا مؤونة.
المشهد كارثيٌ جداً، يحدث في منتصف معركة من المفترض أنها ستحرر المدينة، أصيبت معنوياتها في مقتل إثر هذا الاقتتال، وصارت الصورة بالنسبة إلينا كئيبةً ومقرفة.
كان القتال الداخلي جرحاً كبيراً نزف من عزيمتنا، وكانت تصرفات بعض قيادات الفصائل خنجراً طعن ظهورنا لمرات حتى لم نعد نقوى على الحراك، بدأنا بتدمير قوتنا من الداخل، غدر بعضنا ببعض في ظل ظروف صعبة جداً، لقد استطاع من أراد ذلك قتل كل روح للمبادرة في داخلنا، صرنا نخاف من طعنة من الخلف تجهض حربنا كلها، وصرنا نخاف من أن نطعن من ألف خلفٍ إذا ما قررنا أن نقاتل.
حاولنا أن نتماسك ما استطعنا، دعونا الله أن تستمر المعركة، لم يكن لدينا وقت لكي نحاسب المخطئين، حملنا طعنتنا في ظهرنا ونهضنا، … ولكن هيهات، لم يدم الأمر أكثر من أسبوع واحد حتى توقفت المعركة، وتحولت لبعض مناوشات صغيرة، وقد خسر الثوار جميع المناطق التي سيطروا عليها في بداية الأمر إضافة إلى بعض مناطقهم التي كانوا يحتفظون بها من المعركة الأولى.
صار الحصار أمراً واقعاً، لم يعد اليأس هو ما يشعر الناس به، وإنما الخيبة والخذلان، المقاتلون الذين رَهنَ الناس لهم أرواحهم .. فشلوا، بل وتقاتلوا فيما بينهم دون أي اكتراث لمصير المدينة.
كان الخذلان عظيماً، كل صور الشهداء التي أردنا أن نزين بيها ساحات النصر صرنا ندفنها في مقبرة الذكريات كيلا تطلّ علينا معاتبة ومحاسبة، بكينا من لم نبكهم من قبل، صرنا نشعر أن دماءهم أريقت بلا فائدة، وأن الأرض التي دافعوا عنها ستسقط عمّا قريب.
المدير العام | أحمد وديع العبسي