في مثل هذا اليوم منذ تسعة عشر عاماً هناك من فُجع بموت حافظ الأسد، وهناك من أصابه سرور لموته اضطر لإخفاء فرحه في قلبه من شدة خوفه كيلا يقضي حياته في أقبية المخابرات.
بكى الناس أمام التلفاز، وخرجت المسيرات بالشوارع، واكتسى السواد سورية، كأن الذي مات رجل الأمة العربية والإسلامية الأوحد!
كأن سورية عاجزة عن أن تلد رجالها بدل ذلك الطائفي! إذ نستحضر في وفاته سقوط مرتفعات الجولان بيد إسرائيل، وجعجعته بصوت عالٍ ينادي بتحريرها وتحرير المسجد الأقصى معها، نستحضر مؤامراته ودسائسه مع إيران في مواجهة العراق البلد الجار والصديق، نستحضر اجتياح لبنان الشقيق وارتكاب المجازر فيه، نستحضر إنهاء المقاومة الفلسطينية وتصفيتها في لبنان، نستحضر جرائمه في حلب وحماة وكافة المدن السورية، نستحضر تهجير العقول السورية وتدميرها في السجون وإقامة المجازر لها بدل تكريمها… نستحضر كل ما أصاب سورية من دمار يمتد حتى الآن نتيجة توريث ابنه لسورية كأنها مزرعتهم الخاصة.
نستحضر نهبه لخيرات سورية في كافة القطاعات (نفط، ثروات معدنية، زراعة، تجارة، سياحة..) واستحواذه حتى على الرياضة، بل على المقولات الرياضية والاقتباسات التي كانت تملأ جدران شوارع مدننا المنسية من حقوقها حتى ظنها البعض أحاديث شريفة.
لم يكن حافظ الأسد مُدعي العروبة، والمفدَّى، والقائد البطل في التشرينين كما يدعون، مناضلاً يومًا ما، وليس خالدًا كما يُصور لنا على أنه باني سورية الحديثة، فتلك جرائمه ماتزال خالدة ونعيشها اليوم، وما تزال سورية بأبنائها تُضحي بكل ما فيها حتى تحقيق حريتها وعودتها إلى دورها الحضاري.
نعم.. لن يكون خالدًا إلا بصفة مجرم وسارق وخائن وسفاح جعل من سورية بلدًا مظلمًا بعد أن كان مصدرًا للنور والحداثة والرقي.