محمد الزير |
هناك .. يبتعد الهلال قليلاً مخافة شظية طائشة، أو ربما يخشى أن يخدش غبار أحد الصواريخ جمال مقلتيه..
هناك حيث لا مكان آمن، يصم الألم فوق كل المسامع، وتنأ الروح إلى بارئها بصمت إنْ حكى أسكت كل المسامع.
هناك ليس بمجرة بعيدة أو ليس بكوكب آخر، هناك حيث يحكي الحجر معاناته في الصمود، ويحكي كيف يرتجف آلاف المرات محاولاً البقاء، دون جدوى.
يحاول ساكنو هذا الكويكب أن يحيوا من جديد، ولكن لا مكان لهم، فكل المجرات لفظتهم، فابتعدوا تاركين ما بنوا لسنوات، تاركين كل أرزاقهم الحلال، ليكونوا ضحية تلتف حول جذع شجرة، وتفترش العراء بيتاً، والسماء غطاء..
تمتد آلامهم.. فطريق الرحيل كان موتاً بموت، ولكن المستقبل بعيون أطفالهم كان أقوى من كل القصف.
نعم يا جدي، كان أقوى من أرضك، من بيتك، من كل الشجيرات،..
منهم من رفض الرحيل واختار البقاء فوق جدار مصدع مليء بالطلقات، يئنّ وحيداً بعد كل التساقطات، فليس الموت وحده من يقتل، فأصوات الصفير ولحظات سقوط القذائف تقتل الباقين باليوم ألف مرة، منهم من لم يطل عليه الصباح، فقد غدا ضحيةً لحب البيت وفقر الخروج..
غدا ضحية الحجارة التي ما صمدت بعد مئات الغارات، فأمسى وبيته كومة ركام، وصارت الحجارة قبراً يلتف حول من كان يسكنه لسنين وأيام..
جدي ما معنى أن تكون إنساناً؟
بضحكة وألم يكاد يمزق الأحشاء يجيب: “نم يا ولدي، فلعل الليل يستر ويلاتنا، ولعل بعد الليل يشرق فجراً يطفئ قنديل الظلم، لمدينة لم تعهد أن تنام وهي تبكي.”