تخطى المعلم الحواجز الرسمية التي تفصله عن تلاميذه وطلابه، فغدا موجههم الأول وناصحهم الوحيد في مجتمع قَتلت فيه لغة السلاح كلَّ لغات العلم والمعرفة.
المعلمون، بلا شك، هم الفئة التي حافظت على تماسك المجتمع السوري أو خففت من تمزقه على أقل تقدير، فقد بدأت مسيرة المعلم مع الثورة منذ ولادتها، فكان حاملها الوحيد خارج ساحات المظاهرات، واستمر المعلمون رغم قساوة الظروف وضيق العيش، ومع وضوح الهيكلية المؤسساتية التربوية والعلمية تحسنت حالة المعلم السوري إلى الأفضل لكنها لم تعطِ له مساحة جيدةً للإبداع، فمرتبات المعلمين ما زالت الأقل قياسًا بالمهن الأخرى.
لكن المعلم مازال الموجه الأبرز والمواجه الأول للمشكلات المرتبطة بتحديات المرحلة. هذه المشكلات ليست ما يرتبط بالناحية الاقتصادية والأقساط وما إلى ذلك من المشكلات المعروفة، فالمشكلات المادية لا تزرع رهبة عند ذي رغبة، بل ربما تكون حافزاً للطالب كي يستمر بمزيد من الإصرار.
التحديات الناتجة عن المرحلة الحرجة التي تمرُّ بها المناطق المحررة بما تتلخص بالتالي:
– تحديات تعليمية:
تعدد الجامعات وتفاوت مفاضلاتها مع عدم الثقة بالمؤسسات التعليمية البديلة التي أنشأتها المعارضة السورية في الشمال السوري، وينتج عن ذلك حالة من الحيرة تلازم الطلاب الذين يوازنون بين مؤسسات المعارضة والنظام من حيث القوة والاعتراف والإمكانيات، وهنا تبرز مسؤولية النخب التعليمية في التوجيه والتوعية، هذا بالإضافة إلى محاولة إيصال المعلومة للطالب بطريقة ممتعة.
– تحديات سياسية داخلية:
تدخل الجهات السياسية في الجامعات وما ينتج عن ذلك من ضغوطات نفسية على الطالب السوري لا سيَّما عندما يؤدي ذلك إلى إغلاق الجامعة، كتدخل ما تسمى حكومة الإنقاذ بجامعة حلب لتنضوي تحت لوائها، وأدى ذلك إلى تغيير أماكن الكليات أكثر من مرة وتحميل الطالب أعباء المواصلات.
– تحديات عسكرية:
فقدان الأمان مع إرهاصات لهجوم مرتقب على إدلب، فالنظام لم يعترف بشهادات مؤسسات المعارضة ممَّا أدى إلى اضطرار بعض الطلاب القاطنين في مناطق النظام أن يعيدوا امتحان الشهادة الإعدادية بعد أن كانوا طلابًا في الجامعات الحرة، وهذا ما خلق هاجس خوف عند طلاب المناطق التي ما زالت تحت سيطرة المعارضة.
الأستاذ (عبد القادر علي) مدرس فيزياء للمرحلة الإعدادية والثانوية يقول: “أحاول أن أشرح فكرة أن المؤسسات ومديرية التربية عند الائتلاف ماتزال حديثة التكوين وهي بحاجة إلى وقت حتى تكون الأمور جيدة.”
ويضيف: “المهم هو تمكين الطلاب وإتقان المعلومات والبحث والفهم للمعلومات واستخدام المعلومات بغض النظر عن الشهادة، وفي المستقبل ستكون الشهادة مثلها مثل شهادة النظام من حيث الاعتراف، لكن فقط نحن بحاجة إلى وقت.”
أما الدكتور (رامز كورج) فيقول: “على المعلم أو المدرس أن يرشد الطلبة للدخول في الجامعات الحرة وذلك بشرح أبعاد تفعيل هذه الجامعات والضرر الناجم عن إضعافها والتأكيد أن نجاحها جزء لا يتجزأ من نجاح الثورة، والعمل على ترسيخ الإيمان بقضية شعبنا وعدم شرعية النظام ومؤسساته، والتذكير بأن الجامعات والمعاهد في المحرر خيار أكثر أماناً من جامعات النظام التي تعج بالشبيحة والمليشيات، مع تسليط الضوء على النماذج الرائدة التي تخرجها هذه الجامعات.”
لا يمكن أن نضع كامل المسؤولية على عاتق من يرفض اللحاق بركب مؤسسات المعارضة نتيجة أرائه السياسية، بل يجب على هذه المؤسسات أن تعمل لإقناع الجميع بمشروعيتها وإثبات دورها علميًّا واجتماعيًّا، والتخلص من بقايا الفساد في بعض مؤسسات التعليم التابعة للمعارضة في الداخل السوري.