جاد الغيث |
مع اقتراب موعد افتتاح المدارس في الشمال السوري المحرر يعيش العم (أبو مصطفى) حالة قلق ترتبط بصعوبة انتقال أولاده الأربعة إلى المدرسة الوحيدة في قريته (نياره) التي تبعد عن داره مسافة تزيد عن 1200 متر.
طرقات (نياره) ترابية تثير الغبار في فصل الصيف، ويتحول عبورها في فصل الشتاء إلى مشقة وعناء، فالأولاد عمومًا يخوضون رحلة تعب مرتين كل يوم، ذهابًا وإيابًا، حيث تغوص أقدامهم في قلب الطين وتتلوث ملابسهم به.
تبعد قرية (نياره) عن مدينة (أعزاز) مسافة 7 كيلو متر شرقًا، ويزيد عدد سكانها عن ( 5000 ) نسمة وقد استضافت مؤخرًا اكثر من 150 عائلة نازحة من الريف الغربي .
مدرسة واحدة للتعليم الأساسي، وصيدلية واحدة عمرها أقل من أربعة أشهر، ولا يوجد في (نياره) مستوصف طبي، ولا يوجد فرن لبيع الخبز، وللقرية جامع واحد تُؤدَّى فيه الصلوات الخمس، وتُقام فيه صلاة الجمعة.
أسوأ ظرف تعيشه قرية (نياره) مكب النفايات الذي يتوسط دورها البسيطة، فيؤدي إلى جعل الذباب والبعوض ضيفًا غليظًا دائمًا، يطن ويدور ولا يغادر مكانه ولو تم رشه بمبيد حشري قوي!!
رائحة حرق النفايات تصل منزل العم (أبو مصطفى) وتثير لديه أزمة الربو، وهذا يزعجه صحيًا، ولكن ما يخشاه أكثر تفشي وباء كورونا في (نياره) التي تفتقد لشبكة الصرف الصحي، كما تفتقد خدمة الطاقة الكهربائية، ومايزال سكانها يعتمدون على ألواح الطاقة الشمسية للإضاءة، وعلى الحطب شتاء للتدفئة.
تتبع (نياره) للمجلس المحلي لبلدة (سجو) ويعيش أهلها على زراعة القمح والشعير وما تدره عليهم مواسم جني الزيتون، بعض خيام للنازحين تحتل جزءًا بسيطًا من مساحات واسعة للأراضي الزراعية.
تفتقر القرية للخدمة الطبية، وشبابها يعانون من قلة فرص العمل، وطرقاتها تحتاج التزفيت، وبشكل عام لا شيء في القرية يلفت النظر سوى مشهد الغروب المفتوح على الأفق الواسع، وخدمة شبكة الإنترنت التي تتميز بجودة عالية.
في طريق عودتي التقيت بالشاب (خالد) يجلس تحت ظل شجرة هاربًا من حرارة الجو وتسلط الذباب، وحين سألته عن عمله أجاب بسخرية حزينة: “عطال بطال، إذا بتشغلني معك بتكون فضلت على راسي.”
(نياره) ليست القرية الوحيدة المنسية في الشمال السوري، إذ يعاني عدد كبير من القرى الصغيرة من انعدام المشاريع التنموية وغياب الخدمات؛ وذلك لتركزها في المدن والبلدات الكبرى، وهذا ما يجعل أمام الجهات المانحة والمنفذة تحديًا كبيرًا في توزيع المشاريع والخدمات بشكل عادل على جميع البلدات والقرى، بغض النظر عن حجمها أو عدد سكانها.