سلوى عبد الرحمن |
البسمة لا تفارق وجهها البريء، مرحةٌ وجميع من حولها يفهم لغة عينيها الواسعتين وحركات أصابعها الصغيرة، “أمل شهيد” طفلة في العاشرة من عمرها لا تسمع ولا تتكلم، تتواصل مع أسرتها وأصدقائها بلغة الإشارة وتفهم عليهم من حركة شفاههم قالت بلغة الإشارة: “أنا سعيدة في التكلم معك” ورسمت قلب حب بحجم أصابعها.
وُلدت (أمل) من أبوين أصمين وأبكمين، لكن والدها رحل كما قالت وتركها مع أهل والدتها منذ سنوات، تعيش أمل مع والدتها في بيت جدتها السبعينية بعد أن هُجروا منذ سنوات من مدينة حلب ليستقروا في دارة عزة مسقط رأسهم غربي حلب.
تقول الجدة: “إن والدة أمل درست في مدرسة للصم والبكم في مدينة حلب، لكن في دارة عزة لا تتوفر هذه المدارس الخاصة، وتصر أمل على الذهاب إلى المدرسة، وكانت ترقبهم بشكل مستمر من وقت ذهابهم وحتى عودتهم.”
تتابع الجدة: “هممت بالذهاب إلى مدرسة أبي بكر الصديق، وطلبت من المعلمة (أميمة) أن تبقيها مع باقي الأولاد لتتعلم.”
يفتقد كثير من أرياف الشمال السوري مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث لا تتوفر في كافة المدن والبلدات، الأمر الذي يشكل عائقًا كبيرًا أمام أهالي الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويقتصر تعليمهم على تواصل الأسرة معهم لعدم تمكنهم من الالتحاق بالمدارس العادية بسبب صعوبة الاندماج مع باقي الطلاب وحاجتهم لمعلمين مختصين.
“إلا أن أمل ليست طفلة عادية إنها ذكية واجتماعية، وكلما دخلت الصف تُقبلني وتحضنني بمحبة، ممَّا زاد اهتمامي وحبي لها” بهذه الكلمات بدأت (أميمة) معلمة أمل بالحديث عنها.
وتكمل: “حين أحضرت الجدة حفيدتها للصف شعرت بالإحباط واليأس، لأني لم أكن أعرف كيف أتعامل مع الصم والبكم على الإطلاق، وفي الوقت نفسه خجلت من رد طلب الجدة العجوز وعودتها مع أمل خائبة”.
وتضيف المعلمة: “في بداية الأمر واجهتني صعوبات عديدة، بدأت أمل بالتململ والضجر، فأصبحت أطلب منها أن ترسم في درس القراءة، ثم عزمت على حفظ بعض رموز لغة الإشارة بمساعدة من إحدى طالبات الصف يعاني والدها من مشكلة (أمل) نفسها لأتمكن، فيما بعد بدأت بتعليم أمل الإملاء، وبالتدريج بدأت أمل تندمج مع الدروس، فحفظت كل الحروف حتى حصلت على درجة التفوق.”
أحلام الأطفال لا حدود لها، لكن الحرب الدائرة في سورية قيدتها، وأصبح جل ما يحلم به غالبية الأطفال السوريين الحصول على فرصة عمل أو مأوى يقيهم برد الشتاء وحرارة الصيف بدلاً من الخيام المهترئة، ففي إحصائية للأمم المتحدة (اليونيسيف) نهاية العام الماضي قالت: “إن عدد الطلاب الذين لا يتلقون تعليمًا على الإطلاق وصل إلى أكثر من خمسة ملايين طالب.”
“ولأن أمل طفلة مميزة فهي مازالت تملك أحلامًا وهوايات، تحب (أمل) الرياضة وتلعب بالمضارب وكرة السلة مع رفاقها دون ملل، بل وتغني معهم بتحريك شفاهها ويديها، إضافة إلى أنها تهوى حياكة الصوف والرسم، وتتمنى أن تصبح معلمة حين تكبر لأنها بشكل دائم تشير إلي بأنها تحبني، لكن حلمها الأكبر بأن تتمكن من السمع مثل باقي رفاقها” حسب قول (أميمة).