عبد العزيز العباس |
على غرار روايات العمى للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو، ورواية 1984 للكاتب جورج أورويل، يأخذنا الكاتب المصري (أحمد خالد توفيق) المعروف بالعرَّاب بروايته (في ممر الفئران) إلى رحلة غريبة في بلد كل سكانه عميان أو كانوا يحسبون أنفسهم عميانًا لا يستطيعون الرؤية ويتعرفون على الأشياء باللمس أو التحسس، ويعتبر الضوء أو القداحة أو إشعال النار جريمة يحاسب عليها القانون، وإذا قُبض عليك سوف تُعدم.
تخيّل أن تعدم فقط لأجل استخدام القداحة أو استعمال الضوء أو إشعال النار! أين ذهب ضوء الشمس؟ هل اختفت أم تبخرت أم انتهى العالم على طريقة أفلام هوليوود؟!
في الرواية عالمان مختلفان، عالم ما قبل حدوث الكارثة وعالم ما بعد حدوث الكارثة، وهل حصلت كارثة تحدّث العلماء عن نيزك كبير سوف يصطدم بالأرض وتنتهي الحياة ونموت؟ ولكن هل حدثت الكارثة؟ نعم اختفت الأميركتين، أي أمريكا الشمالية والجنوبية ولم تعد أمريكا أكبر قوة عالمية ولا البرازيل ولا…
إذن من يسيطر على العالم الآن؟! إن كانت أمريكا لم تعد موجودة يسيطر عليها شخص قوي جداً هو (الكومندان) جنرال حرب سابق يعيش في جبال الهيمالايا هو وحكام العالم الذين يتمتعون بالنور والمال والدفء.
هناك شخصية لها دور كبير في هذه الرواية هي شخصية الشرقاوي، وهو شخص في الأربعين من عمره، أبٌ لولدين وزوجته امرأة نصف جميلة، يعمل في شركة هندسة فيدخل في غيبوبة وجودية، لينتقل إلى عالم الظلام أو عالم ما بعد الكارثة، فيلتقي بشخص اسمه رامي يساعده على التأقلم في الحياة الجديدة.
تعتبر هذه الرواية معالجة أطول وأعقد لقصة أسطورة الظلام التي تم نشرها في سلسلة ما وراء الطبيعة للكاتب نفسه، مع اختلاف جذري في العمق والحبكة والنهاية.
ماذا نستفيد من هذه الرواية:
1- ليس كل ما يقال في العالم يجب أن نصدقه، وهذا تؤكده نهاية الرواية؛ لأنّ العالم مخدوع بكذبة كبيرة اسمها الكومندان، وهو ليس إلا خرافة أو اسم بلا مسمى، فهو شخصية اخترعها حكام العالم وصدّقها أهل أرض الظلام، وهم موجودون في كل بلد ولكن بمسميات مختلفة، (ثوار، أحرار، ضوئيين، متنورين..) في النهاية هم كيان مترابط واحد اتفقوا أنّ هذه الشعوب أشبه بعميان مخدوعين، وهم في الحقيقة أشخاص مبصرين لا يريد حكام العالم لهم أن يبصروا أو يروا الحقيقة بأي طريقة.
2- في كل مجتمع هناك أشخاص يفكرون بالتغيير ويحاولون الوقوف في وجه الظلم، وهذا ماهر صديق رامي يمثل هذا النوع، فهو شخص ثائر لكنه يشعر بعدم جدوى الثورة عندما يقوم الشرقاوي بخيانتهم في النهاية.
3- الشرقاوي شخصية مشتتة مضطربة متناقضة تعاني من قساوة الواقع ما قبل الكارثة لكنها لم تتغير بعد الكارثة، بل خان الذين ساعدوه ووقفوا معه، فهو يمثل فئة معينة من الشعب الذين يعيشون بلا هدف أو قضية أو انتماء، ولكن أيضًا هو يبحث عن الحياة بلا مشاكل ظناً منه أنّه يستطيع الإفلات من هذه الحالة التي تحكم العالم، وإن كان يمثل المجتمع البسيط الذي إن كان له قدرة على التغيير في يومٍ ما سوف يخرّب أكثر مما يصلح، نحن لا نقصد الكل ولكنه يمثل فئة معينة موجودة.
4- رامي شخصية بسيطة المطالب يحب الثوار ويساعدهم لكنّه متشائم من قدرة الثوار على النجاح بالإطاحة بالكومندان.
5- عالم الظلام هو عالم المظلومين أو الضعفاء والفقراء والشعوب المحكومة في كل بلد ليس لهم طموح أو قدرة هم أشبه بالعميان وإن كانوا مبصرين.
6- كانت النهاية حزينة لكنها واقعية تشاؤمية، الشرقاوي يخون ماهر والثوار وتنتهي الثورة بكل سهولة، أو هناك أحد خيارين: إمّا أن يعملوا ويصبحوا عملاءً لدى حكام العالم أو يتم إعدامهم أو قتلهم.
7- بين مطرقة الحكام وسندان العميان اصطدم الثوار كماهر ورامي بالواقع المرير الذي يحيط بهم، وهو يشبه ممر الفئران حين تكون في ممر مظلم بلا نور.