بشار الأحمد |
“الداخل مفقود والخارج مولود” تلك العبارة التي سيطرت على ذهن من دخل معتقلات نظام الأسد، حيث لم يكن لديهم سبيل للنجاة إلا لمن كتب الله له البقاء على قيد الحياة.
مع إعلان الإدارة الأمريكية لحزمة العقوبات تحت مسمى (قانون قيصر) أعادت التي سربها الضابط المنشق (قيصر) إلى عقول من نجوا من معتقلات النظام مناظر وأهوال المعتقل وويلات العذاب التي ذاقوها، وأخذوا يستذكرونها.
هاجس الاعتقال
إن آثار هذه الجرائم ليست محصورة فقط بالمعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب، إنما تسببت للأحياء بأزمات نفسية، وتركت آثارًا جسدية لا يمكنهم التخلص منها إلا بعد مرور سنوات.
تروي الناجية من معتقلات النظام (سلمى المحمد) من مدينة (حماة) ما حدث معها وطريقة التعامل مع المعتقلات، قائلة: “عندما رأيت صور المعتقلين المُسربة، أحسست بقشعريرة اجتاحت أنحاء جسدي، وتخيلت لو لم أخرج من المعتقل لكنت أحد أصحاب هذه الصور”.
اعتقلت “المحمد” ذات الـ 25 ربيعًا على أحد حواجز النظام في مدينة حماة أثناء توجهها إلى جامعتها، وتوضح ما حدث معها: “أثناء اعتقالي لم أواجه أي تهمة سوى أن أحد أقاربي يعمل ضمن إحدى (المجموعات المسلحة) على حد وصفهم، وتم إخفائي لمدة شهرين تقريبًا، قاموا فيها بتجريدي من ملابسي ووضعي في منفردة صغيرة جدًا لا يدخلها أي ضوء، وبعدها تم الإفراج عني بدون أي محاكمة أو معرفة سبب الاعتقال”.
لم يشفع لهم ذلك
يتحدث لنا (حميد الشحنة) الجندي المنشق عن جيش النظام الذي لاقى عقوبة أشد من غيره: “من سمع ليس كمن رأى، كل هذه الصور التي تم تسريبها قد رأيتها بعيني وكنت أظن أنني سأكون أحدهم، لكن بمشيئة الله خرجت، وشيء مؤلم أن ترى آثار التعذيب على الجثث و(الجرب) الذي نهش أجسادهم قبل أن يُقتلوا تحت التعذيب”.
“الشحنة” من مواليد مدينة حماة تم اعتقاله في معسكر (المسطومة) أثناء خدمته في جيش النظام بحجة التعامل مع (الإرهابيين)، ليستقر أخيرًا في سجن صيدنايا قبل أن يتم الإفراج عنه ويهرب باتجاه المناطق المحررة.
ليسوا أرقامًا
“107/12” ليس رقمًا عاديًا أو عنوانًا لشقة في أحد الأحياء، إنه المعتقل (تيم الأحمد) الذي أجبر على مدى 6 أشهر في فرع فلسطين 235 ، أن ينسى اسمه ويتذكر رقمه حتى يُنادى عليه من أجل التحقيق الذي يُعدُّ رحلة بين الحياة والموت تحت يد ذلك السجان المجرم.
اعتقل (الأحمد) في شباط عام 2014 أثناء عودته من عمله، وأمضى قرابة ثمانية أشهر متنقلاً بين المعتقلات، يقول: “عندما رأيت الصور التي سربها قيصر، بدأت أرى في مخيلتي طريقة سحب الجثث من المهاجع بعد موت أصحابها، وتراود إلى مسمعي صوت ذلك السجان (أبو حبيب) الذي يحمل عصا خضراء اللون أطلق عليها اسم المبعوث الدولي إلى سورية (الأخضر الإبراهيمي) العصا التي قضى تحتها مئات المعتقلين”.
غياب المجتمع الدولي
لم يحرك المجتمع الدولي ساكنًا إزاء المجازر والجرائم التي ترتكب ضد المدنيين العزّل، ولا حتى من أجل ملف المعتقلين والمغيبين قسريًا رغم مناشدة الهيئات واللجان الحقوقية من داخل وخارج الأراضي السورية.
الناشط الحقوقي (عبد الناصر الحوشان) قال: “إن أهم وأخطر الملفات هو ملف المعتقلين تعسفيًا والمغيّبين قسريًا وأكثرها إيلامًا وقهرًا، إذ لم يكتفِ النظام المجرم وزبانيته بتغييب الأحرار في الزنازين، وإنما مارس ويمارس عليهم أبشع وأحقر أشكال التعذيب وفي كل منها جريمة ضد الإنسانية من (تعذيب، وقتل، واغتصاب، وإهانة الكرامة الإنسانية، واعتقال خارج القانون) وكلها جرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها وفق أحكام نظام (روما) للمحكمة الجنائية الدولية”.
وتظهر الصور المسربة جثثًا لمعتقلين قضوا في سجون نظام الأسد عليها آثار تعذيب وضرب مبرح، بالإضافة إلى تكسير أعضاء وبترها، وأمراض مختلفة منها (الجرب)، من بين القتلى حسب ما تظهر الصور أطفال لم يبلغوا السن القانوني وشيوخ كبار في السن، وبلغ عدد الصور المسربة ما يقرب من 55 ألف صورة بمعدل أربع صور لكل جثة.