علاء العلي |
في ساحات المعترك السياسي والعسكري، تتشابك تركيا وروسيا في أكثر من منطقة، من سورية إلى ليبيا، ومؤخرًا أذربيجان التي انتهى مطلع الأسبوع الفائت ملفها على شكل اتّفاق سُمّي باسم الإقليم الذي احتلّته أرمينيا المتاخمة لروسيا من أذربيجان، (اتفاق قره باغ)، المُوقّع في 9 نوفمبر 2020 بين زعيمي البلدين بإشراف تركيّ روسيّ.
اتفاق (قره باغ) فاعل ومؤثّر، إذ إنه ببنوده الزّمنية يشكّل هزيمة لأرمينيا ومن يقف خلفها، ودفع الرّئيس التّركي للتّصريح بعدها بيوم واحد عن إمكانيّة تطبيقه على الأراضي السّورية، وإنهاء عقد من الحرب والدّمار في هذا البلد على غرار أذربيجان، لكن من الصّعب المقارنة بين الحالة الأذرية والسّورية، ففي الوقت الّذي تتنازع فيه دولتان متجاورتان (أذربيجان- أرمينيا)، فإنّ السّاحة السّورية تشهد صراعًا بين نظام حاكم مجرم ومعارضة عسكريّة وسياسيّة ضمن بلد واحد.
القضيّة الأذرية تملك مقومات التّحرير الفعلي لأراضٍ احتلّها بلد مجاور بدعم من دول غربيّة وتواطئ دول الإقليم البلقانيّ، أما في سوريّة ففيها نظام تراه شريحة واسعة من الشعب بأنه غير شرعيّ، وتعمل جاهدة لإسقاط مؤسّساته الأمنيّة والعسكريّة وانتزاعها منه، وشريحة أخرى تراه شرعيًا، وهذا الصراع أفرز مساحات واسعة خارج نطاق سيطرة (النظام السوري) كالشّمال السوري وشرق الفرات، وتقوقعه فيما تبقى من البلاد إداريًّا، والسؤال هنا: أي انسحابات يعنيها الرئيس التّركي لتطبيق هكذا اتفاق على غرار قره باغ يُوقف فيه إطلاق النار؟!
من منظور أنقرة نجد أنها تملك حقًّا لحدود نشر نقاط مراقبتها ضمن اتفاق آستانة مع روسيا، والانسحاب يعني تقهقر قوّات النّظام السّوري لما خلف هذه الحدود ونشر قوّات مراقبة والبدء بفتح المعابر وتبادل الأسرى، وهو تطابقٌ لما جاء ببنود اتفاق (قره باغ) الأذري، كون المعارضة تملك حقًّا قانونيًّا بهذه المناطق كما ضمنه لها اتّفاق آستانة الموثّق أمميًّا، وكذلك انسحابات لقسد من طول الشريط الحدوديّ لعشرين ميلًا نحو الجنوب وفقًا لاتّفاق مبرم مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة الذي حشرت روسيا نفسها فيه وسيّرت دوريّات المراقبة، لكن ذلك لم يتم سوى بمنطقة عمليّات (نبع السّلام)، وماتزال تركيا تنتظر سحب هذه القوّات المخالفة لنصّ الاتّفاق.
إذًا الانسحابات التي تأمل أنقرة بتنفيذها تتضارب مع تصريحات متكرّرة لروسيا التي تجد في تركيا شريكًا ساهم في تمدّد سيطرة الحكومة السّورية وفق ما تحدّث بذلك (لافروف)، وأنّ أيّ شكل من الانسحاب بات غير مقبول، فكما بقيت المناطق المحررة من (قره باغ) خارج الحسبان تتبع للأذريين، كذلك تعدُّ روسيا أن كلّ ما تم السّيطرة عليه خارج طاولة التّفاوض.
إن استشعار الأتراك خطورة الفراغ الذي ممكن أن تشكّله خطوة سحب أمريكا قواتها شرق الفرات مع قيادة أمريّكية جديدة، لا سيما عودة توغّل للنّظام السّوري، والدّعوات المتكرّرة لقادة قسد لبدء تفاوض مع الأتراك، ودعوات دمج القوّات المتمركزة شرق الفرات مع الجيش الوطنيّ، كلها تذوب في اتّفاق جديد تسعى له تركيا.
الدّعوة لتطبيق اتفاق يماثل اتفاق (قره باغ) في سوريّة، سيكون حلحلة ومتنفّسًا لروسيا وتركيا للتملّص من أي شكل لاتفاقات سابقة، بات يروج له الرئيس التركي، وهو شكل جديد سيحافظ على ما تم إنجازه من كافّة الأطراف، وقد يسبقه إعادة تموضعات عسكرية محدودة تعكس ارتياحًا نسبيًّا لكافّة الّلاعبين في القضيّة السّورية يضمن بمحصّلته الهروب من التزامات مبرمة على هؤلاء الّلاعبين، ويحفظ ماء وجه الجميع، وبصيغة أخرى سيشكّل إن تحقّق طوق نجاة ينقذ كافّة الأطراف، ويمهّد لوقفٍ شامل لإطلاق النّار.
الدّعوات التّركية لروسيا تُقرأ بروح الاتفاق، وليس حرفيّة التّطبيق، فالأزمة السّورية مختلفة جذريًّا عن قضية البلقان، لكنّ أشدّ ما يتوق له الطّرف التّركي هو بالحقيقة إعادة اللاجئين بشكل طوعيّ تسبقه أرضيّة آمنة تشجّع على العودة والحفاظ على مصالح روسيا الاقتصاديّة، كفتح الطّرقات الدّولية وزيادة بناء الثّقة بين الطّرفين من خلال مراكز التّنسيق لتأمين عبور الّلاجئين نحو الدّاخل من جهة، وتأمين القوافل التّجارية في الممرات البرّية من جهة أخرى، وليس انتهاءً بحلحلةٍ سياسيّة تُعدّ الرّكن الرئيس الذي تتفرّد به القضيّة السّوريّة عن أزمة الإقليم الأذريّ.