أنهكت أعوام الحرب المستمرة في سورية كاهل المدنيين، فالموت البطيء يسيطر على كثير من المناطق المحاصرة، فضلاً عن الضحايا الذين فاقت أعدادهم المليون، إلا أن الأطفال كان لهم النصيب الأكبر من هذه المعاناة التي طال أمدها وتفاقمت تبعاتها.
وبحسب إحصائية لمنظمة ” اليونسف ” التي نشرتها في منتصف الشهر الثالث من العام الماضي 2017، فإن حوالي 255 طفل سوري لقوا مصرعهم في مدارسهم، فضلاً عن الكثير من الصعوبات الأخرى التي لا تحصى كالوصول للمدرسة بسبب الأوضاع الأمنية والفقر الذي أجبر الكثير من العوائل على عدم إرسال أولادهم ليمارسوا حقهم في التعليم.
وكشفت “اليونسف ” في تقرير أعدته مطلع العام الجاري 2018 أن مليوني طفل في سورية يعيشون ضمن مناطق محاصرة يصعب الوصول إليها “، ولا بد من الحديث أيضاً عن نتائج القصف المتكرر للكثير من المناطق الثائرة والخارجة عن سيطرة النظام، حيث تتسبب بمقتل وجرح العديد من الأطفال بشكل يومي، والكثير من الأحيان يتسبب القصف في إصابات خطيرة تصل إلى إعاقة دائمة يتحطم عندها المستقبل وتضيع الأحلام وتختفي البسمة البريئة.
الطفلة “ملك عوض القمر ” ذات السنوات الست من قرية ” تل هواش” في ريف حماة الشمالي، كغيرها من الأطفال السوريين الذين تجرعوا مرارة الألم وصعوبة الأحداث الجارية، إلا أن لقصتها تفاصيل مختلفة، فقد حُرمت حقها في المشي واللعب وممارسة هواياتها بعد أن بُترت ساقها اليمنى وقتل والديها لتصبح يتيمة الأب والأم على إثر غارة جوية غادرة استهدفت منزلها.
وفي لقائنا مع ” فادي عوض القمر ” الأخ الأكبر للطفلة ” ملك ” روى لنا تفاصيل ما حدث فقال: في تاريخ 8 شباط من العام الماضي 2017 كانت “ملك” تلعب بالقرب من المنزل مع عدد من الأطفال، وكان والدي ووالدتي جالسين ويرمقونها بنظراتهم الأخيرة، حينها سمعنا صوت طائرة حربية قد اقتربت من أجواء قريتنا، ولشدة تعلق والدي بملك أمرها بالدخول للمنزل خوفاً عليها، وما هي إلا لحظات حتى سمعنا صوتاً قوياً، فقد استهدفت الطائرة بيتنا بصاروخ شديد الانفجار، أدى لمقتل والدي ووالدتي على الفور، أما ملك فقد بترت ساقها.
وأضاف ” فادي عوض القمر ” بعد تلقي “ملك” للعلاج بدأنا نبحث عن جهة تتبنى قضيتها، وتقدم لها طرفاً اصطناعياً لكن دون جدوى فلم نحظَ بمن يتبرع لنا بتكلفة الطرف، وتعيش “ملك ” الآن على حلم تتمنى أن يتحقق وهو أن تتمكن من تركيب طرف وتدخل المدرسة وتتعلم كباقي الأطفال في العالم.
لم تكن قصة ملك الأولى من نوعها فقد سبقها الكثير، ولن تكون الأخيرة ففي كل يوم تستمر فيه أحداث الحرب في سورية قد يكون كفيلاً في ظهور قصة مشابهة لقصة “ملك” التي لم تشفع لها براءتها وألعابها أمام وحشية الآلة الحربية القاتلة والمدمرة، ولا يمكننا تجاهل أن أطفال سورية كانوا أيقونة الثورة الألمع وعنوانها الأبرز فمن حمزة الخطيب إلى إيلان الكردي إلى عمران دقنيش، وغيرهم الآلاف من الأطفال فكل أولئك شموع تنير لنا عتمة الطريق للوصول إلى غايتنا وتحقيق أهداف ثورتنا ونيل حريتنا.