عمر نور |
تنتهي أخبار المهجرين وأحوالهم بانتهاء الخبر الإعلامي، لكن معاناة المهجر لا تنتهي وتبقى حاضرة أينما حل، مستذكرًا أرضه وبيته وكل ذكرياته.
يترك الأطفال ألعابهم، ويترك الرجال دورهم التي تعبوا في تأسيسها، وتترك النساء الجيران والأهل..، يترك الجميع وطنه واستقراره، لبدء حياة جديدة بعيدًا عن حكم آل الأسد، بعيدًا عن القصف والدمار.
إن أحداث تركيا الأخيرة وبالأخص ولاية إسطنبول تجاه اللاجئين السوريين أثارت أحزان الكثيرين وأعادت أوجاع الماضي وآلامه التي لم ما برح السوريون المهجرون عن نسيانها حتى عادت إلى الذاكرة، فإن كنت لا تحمل بطاقة الكيمليك، بطاقة الحماية المؤقتة، فأنت معرض للترحيل والعودة إلى سورية قسرًا، وإن كنت تحملها لكن من ولاية أخرى غير إسطنبول فيجب عليك المغادرة إلى تلك الولاية أو يتم ترحيلك إلى سورية.
“أمير أبو العز” أبٌ لأربعة أطفال، هُجِّر خمس مرات خلال الثورة السورية، يروي لصحيفة حبر قصته فيقول: “كنت أسكن في حي جوبر بدمشق وفي عام 2013 خرجنا منه إلى الغوطة الشرقية بسبب قصف النظام العشوائي على الحي بلباسنا فقط، كان كل همي حينها أن أنجو وأولادي من القصف الذي كان لا يحتمل.”
ويتابع (أبو العز) حديثه: “كنت أظن أني سأعود إلى بيتي قريبًا لكن كانت الأحداث تتطور بشكل كبير في حي جوبر ولم يعد بالإمكان العودة، فحاولت بناء حياة لي في الغوطة الشرقية من جديد وفيها اضطررت لأخرج من سكني ثلاث مرات بسبب القصف، كان آخرها عند خروجي إلى حي برزة الدمشقي عن طريق الأنفاق لأترك ورائي كل شيء سوى الملابس أيضا وبعض الحاجيات كما كان الحال في حي جوبر، وفي برزة حاولت الاستقرار أيضًا لكن سرعان ما خرجنا بباصات التهجير القسري إلى إدلب”
التهجير القسري إلى الشمال السوري كان نقلة كبيرة في حياة “أبو العز” يبين السبب فيقول: “كل نزوحي السابق كان سهلاً عليَّ أمام نزوحنا إلى إدلب، في دمشق كنت ضمن الكثير من معارفي وأصدقائي وأقاربي، أما في إدلب فلا أعرف أحدًا حاولت الاستقرار في بلدة أريحا بقيت هناك أشهر معدودة لكن وجدت أنه من الأفضل لي أن أخرج إلى مكان آمن أكثر، فقررت اللجوء إلى تركيا التي دخلتها بصعوبة بالغة وتكلفة وصلت حدَّ 4500 دولار أمريكي لي ولزوجتي وأولادي ووصلت إسطنبول”
ليبدأ “أبو العز” مرحلة جديدة في حياته باحثاً لأبنائه عن حياة مستقرة وكريمة، يتابع: “حاولت استخراج الكيمليك من إسطنبول لكن لم أستطع بسبب إيقاف استصداره فيها، لم أستطع الذهاب للاستقرار في أي مكان آخر غير إسطنبول؛ لأنه وكما هو معلوم للجميع إسطنبول يوجد فيها عمل أكثر من غيرها، فقررت أن أذهب إلى ولاية بورصة واستخرج منها البطاقة لأسجل أولادي في المدرسة، قمت بذلك الأمر وسجلت أولادي في المدارس وكنا نعيش حياة مستقرة رغم صعوبة العيش في إسطنبول وغلاء الأسعار فيها إلا أنني كنت أقول إن الوضع سيكون أفضل في الأيام القادمة. كنت أعمل في مجال تصليح السيارات وأَجري جيد، لكن فجأة بعد سنتين تقريبًا من معيشتي في إسطنبول وتأسيسي فيها يخبرونا أنه عليكم العودة إلى المكان الذي استخرجتم منه الكيمليك”
يقول حول صعوبة الخيار الذي وُضع به: “الانتقال إلى ولاية أخرى يعني بيتًا جديدًا وتكاليف آجار جديدة، وسيتغير الأصدقاء على أولادي وكذلك مدارسهم، ربما أستطيع أن أنقل الأثاث لكن هل يتحمل القلب التأسيس لحياة جديدة من جديد، لا أدري إن كنت سأجد عملاً هناك أم لا، ما أدريه أنه يتوجب علينا الرحيل من جديد مثل المرات السابقة مع بعض الاختلافات.”
يمكن أن يكون “أبو العز” نموذجًا لحال الكثير من السوريين الذين هُجروا من مكان لآخر في تركيا ولبنان والأردن وبلدان أخرى، تعددت الأسباب وأشكال التهجير لكنها تتوحد جميعًا في نتيجة واحدة هي “معاناة السوري”