يقطن في تركيا أكثر من ثلاثة مليون سوري، والأغلبية أٌجبروا على العمل بعد أن كانوا في سورية لا يضطرون للعمل، والآن أصبحوا يبحثون عن فرصة عمل.
ومن المشاريع التي بنيت بسواعد نبيلة مشروع أم محمد، وهي سيدة سورية كانت ربة منزل في بيتها بحلب.
بدأت مشروعها في غازي عينتاب جنوب تركيا بفكرة من جارتها بعد أن أرسلت لهم طبقاً من “الملوخية” وفتحت مشروعاً صغيراً بدعم من أولادها وجارتها.
“مشروع صغير سببه طبق “ملوخية”
“أم محمد” تحكي قصة طريفة لصحيفة حبر فتقول: “مرت فترة كان عمل زوجي فيها سيئاً للغاية، وفي أحد الأيام انتقلنا أنا وزوجي وأولادي إلى بناء سكني أغلب من يقطنه سوريون، وحينها سعدت بهذه السكنة الجديدة وقلت لزوجي: أريد أن أطبخ الملوخية وأرسل لجيراننا طبقاً منها، كوني أحببت جيراني كثيراً، وبالفعل أرسلت لهم طبق الملوخية السورية، وبعد أن تذوقت جارتي طبق الطعام أتت بسرعة إلى بيتنا وقالت لي: (يا بنت الحلال زوجك شغلو واقف، والحياة ما بتمشي هيك، وأنتي أكلك طيب كتير، شو رأيك تعملي فكرة مطعم بس ببيتك وتشتغلي طلبيات للناس، وأنا بخلي ابني الكبير يوصلك الطلبيات لأي مكان)، وبالفعل أعجبتني الفكرة كثيراً وطلبت من ابني أن ينشر ذلك على الفيس بوك لتعلم الناس بذلك، وحينها بدأت الاتصالات على هاتفي، وبدأت الطلبيات بكثرة، وكنت في كل يوم اخصص طبقاً سورياً رائحته تصل إلى آخر الحي، وبدأ العمل بشكل فعلي حتى أنَّني توظفت في منظمة سورية لأطبخ لهم كل يوم براتب شهري جيد، وكانوا يحبون طبخي كثيراً.”
وتضيف أم محمد: “وبعد عملي في عدة أماكن علمت كيف يجب أن أجعل أسعار طبخي مناسبة للوضع، وأن أجعل منها مربحاً ولو بسيطاً، ولكي يرزقني الله في لقمة عيشي أنا وزوجي وأولادي كنت أخصص أطباقاً من كل طعام أطبخه لأربعة عوائل سورية فقيرة في الحي الذي أقطن فيه، وبعد ذلك أطلقت اسما على مطعمي في منزلي (مطعم أم محمد) وكان شعاري دائماً (أكلك بيوصل سخن على باب بيتك)”
“اخت رجال”
(كندا عبد الله) وهي شابة سورية عازبة تبلغ من العمر 23 عاماً، تقطن في ولاية غازي عينتاب مع والدتها وإخوتها الصغار، تروي مسيرتها لجريدة حبر منذ أن أتت إلى تركيا وبدأت العمل لتأمين قوت يومها هي وإخوتها، تقول كندا: “أتيت إلى تركيا ولم أكن أعلم بها أي شيء، فقط كنت أبحث عن عمل شريف لأبدأ به دون منازعات أو شهادات أو غيرها، حينها علمت بأنَّه يوجد شاغر في مشغل خياطة، فذهبت إليه بشكل فوري، وتم قبولي مع العلم أنَّني كنت لا أعلم أي شيء عن مهنة الخياطة، بدأت بالعمل في أول يوم، وبدأ (المعلم) بتعليمي كيفية العمل على آلة الخياطة، كان العمل صعباً، لكن الأصعب من ذلك أنَّني كنت في أغلب الأحيان لا أفهم ماذا يتكلم؛ لأنَّني لم أكن على علم بشكل كافٍ باللغة التركية، فقط بشيء بسيط، وكان الدوام من الثامنة صباحاً حتى السابعة مساءً، وكان ثمَّة استراحة غداء من الساعة الثانية عشرة ظهراً وحتى الواحدة، والراتب يومياً 25 ليرة تركية، أي لا تكفي لشخص واحد!”
وتسرد كِندا في قصتها “كان كل شيء يسير على ما يرام، بعد فترة من العمل بدأت أتعلم اللغة التركية عن طريق العمَّال في المعمل، فجميعهم كانوا أتراكا، وكذلك من مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها بدأت أفهم ماذا يتكلم العمَّال وصاحب العمل، ويا ليتني لم أعلم بشيء، فقد كانوا يتكلمون كلاما بذيئاً جداً بشكل دائم، ولا يعلموا معنى الاحترام أو حتى الأدب، وكانوا عندما يرون أي فتاة سورية تأتي للعمل معهم يبدؤون بالتحرش بها، أي يزعجونها بشكل مستمر ويتقربون منها جسدياً بشكل مباشر، لكنَّني حينها كنت حذرة بشدة، وأي أحد يخطو خطوة نحوي كنت ابتعد فوراً وأذهب إلى مكان آخر، لكن الظروف أجبرتني أن أتحمل ذلك سنة كاملة، ولم يستطع أي أحد أن يمسني حتى بكلمة واحدة، وأعلمتهم جيداً بأنَّني أخت الرجال”.
وبعد أن عملت كندا في هذا المعمل لمدة سنة كاملة انسحبت لأنهَّا التقت بعمل أفضل بقرب منزلها، وكان العمل في متجر حلويات تركي، ولحسن حظها كانت صاحبة المتجر تعاملها بشكل جيد، لكن العمل كان متعبا جداً، وإلى الآن هي تعمل في هذا المتجر وتقول: “لما بشتغل شغل متعب وبدوام سيء برتاح أكتر من أني اشتغل بمكان دوامو منيح وانا كرهانة كل الي بالشغل”، لكن رغم ذلك ذكرت كندا في حديثها لحبر أنَّه يوجد السيء من الأتراك ويوجد الجيد، لكن الصفة الأولى تنطبق على الأغلبية!
“مستقبل أطفالي أبنيه بيدي”
من يزرع يحصد، فعلى سبيل المثال أجريت لقاءً مع (فاطمة الحسن) وهي امرأة سورية متزوجة ولديها أربعة أطفال وتبلغ من العمر 35 عاماً، بدأت بسرد قصتها بشكل مريح من الألف إلى الياء بقولها: “بعد أن خسر زوجي عمله وخسرنا منزلنا في حلب، جئنا إلى تركيا لنبدأ ببناء مستقبل جديد لنا ولأطفالنا، لكن بعد ذلك زوجي بحث عن عمل ولم يرضَ بأي فرصة يراها، بعدها قال لي: يجب أن يترك أولادنا المدرسة بشكل فوري، فلم نعد قادرين على تأمين أي شيء لهم، حينها وقفت ضدَّه بشدة وقلت له: أنا سأعمل وسأبني لأطفالي مستقبلاً جيداً ولوحدي.”
لكن الشيق في قصتها أنها طلبت من أخيها في حلب أن يرسل لها مالا وقالت لأخيها: “أول ما ببلش شغل بردلك المصاري فوراً” هو كأخ قال لها: لا توجد مشكلة، وبعد ذلك أرسل لها مبلغاً من المال وقامت فاطمة باستئجار شقة صغيرة وفتحت مركزاً للتجميل في منطقة كراج كلس القديم في عينتاب، وبدأت عملها بمعدات وخبرة بسيطة، لكنَّها كانت تعمل من قلبها كي تأمن لأطفالها جميع احتياجاتهم، ثم رويداً رويداً بدأت فاطمة ببناء اسم جيد لمركزها، وأعادت المبلغ المالي لأخيها، وبعد أن بدأ عملها بالتحسن استأجرت شقة أكبر وأتت بمعدات أفضل وأصبحت خبرتها جيدة جداً، لكن رغم ما مرت به فاطمة قالت في خاتمة قصتها: “ما لازم المرأة السورية بهيك وضع توقف وتتفرج، بالعكس لازم تقوى أكتر وتبلش تبني مستقبل شريف إلها ولولادها بعرق جبينها، ولو ما كان عندا خبرة بأي شيء وإذا كانت مصرة بتصنع المعجزات.”
“تجارة المحارم مصدر رزق!”
عند مدخل حديقة في غازي عينتاب وجدت امرأة تبيع المحارم على الرصيف ولا يوحي مظهرها أنَّها تعرف هذه المصلحة، توجهت للحديث معها وأرادت هي أن تروي لحبر قصتها وبدأت بقولها: “أنا امرأة أربعينية استشهد زوجي في سورية ولي ولد يبلغ من العمر 12 عاماً، لكن قدمه قد بترت إثر الأوضاع في المنطقة التي كنَّا نسكن فيها، ولدي طفلتان الأولى تبلغ من العمر 15 عاماً والثانية 17 عاماً، وبعد استشهاد زوجي وبتر قدم ابني لم أرغب أن أبقى في حلب؛ لأنَّ أهلي كانوا يسكنون في محافظة أخرى، وفي الأساس نحن لا نتكلم كثيراً، فبعت ما أملك من ذهب وذهبت بنفسي وأولادي إلى غازي عينتاب، وحينها تبقى معي مبلغ من المال، فقمت باستئجار منزل صغير لنسكن فيه، لكن بعد ثلاثة شهور لم يبقَ معي حتى مبلغ آجار الشهر القادم، ولم أقبل أن تعمل ابنتاي، وفي الأساس ابني لم يكن قادراً على العمل بسبب قدمه، فذهبت وبحثت عن عمل بشكل مستمر ولم أجد أي شيء مناسب، فرأيت امرأة تبيع المحارم ورويت لها قصتي وحينها قالت لي: يا أختي تعي بعطيكي أنا علب محارم وبيعيهن وإن شاء الله بتكسبي باليوم 10 ليرات أحسن من ذل الأتراك أو أحسن من شغل مو نضيف، وبالفعل في كل يوم كنت أراها لأخذ منها علب المحارم الصغيرة وأبيعها وتلك كانت بيع مو شحادة لأنني أضع المحارم على قطعة كرتونية على الرصيف، ومن يريد المحارم يأتي لشرائها دون أي طلب أو كلمة مني.”
نستطيع أن نعلم من تلك القصص القصيرة أنَّ المرأة السورية مهما مرَّت بظروف صعبة فهي امرأة من حديد بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وتستطيع أن تعيش وأولادها وزوجها حياة كريمة في أي وقت ومكان، لكن المفاجئ بعد ذلك أنَّ جميعهنَّ رفضن التقاط الصور، وقالت لنا إحداهنَّ “المرأة السورية ليست للشفقة ولا حتى هي برنامج تلفزيوني، يكفي أن أروي قصتي ويقرأها الناس ويعلموا ما مررت به من ظروف صعبة أنا والكثير من النساء مثلي، ورغم ذلك نحن الضربة التي لا تؤلمنا تقوينا.”