غسان الجمعة |
رغم اختلاف الظروف التي عقدت في ظلها جولة أستانة12 يوم أمس عن الجولات السابقة، إلا أنها لم تخرج بنسختها الأخيرة بمتغير جوهري أو حقيقي، سوى أن البيان توجه بدعوة للعراق ولبنان إلى جانب الأردن لحضور الجولة القادمة في تموز بصفة مراقبين، بالإضافة إلى إدانة الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على الجولان.
مسار أستانة الذي أُسس منذ بدايته ليكون راعياً لمناطق خفض التصعيد وبوابة لصناعة حل سياسي إقليمي للمسألة السورية من خلال تشكيل لجنة دستورية لم يعد يُثمر كما أرادت له أطرافه الثلاث، إذ خرج كل طرف بسلاته التي خططت لها على حساب السوريين أنفسهم، فلم يعد سوى منطقة واحدة لخفض التصعيد، فالروس سعوا للقضاء على المعارضة في جنوب سورية ووسطها، كما أن إيران حققت ما تُريد من خلال زج نفسها بوجه مشروع في مسألة الحل السياسي.
من جانب آخر استحوذت تركيا على جبهة متقدمة في خضم صراعها مع المحور السعودي المصري في المنطقة الذي تدعمه الولايات المتحدة من الخلف، وحاصرت مشروع استهدافها شرق الفرات، وأضافت لرؤيتها للحل في سورية معطيات جديدة تصادمت مع مصالح لاعبين آخرين، وتقاطعت بوجه آخر مع مصالح دول أخرى.
المحرك الأساسي لمباحثات أستانة هم الروس الذين حصلوا على معظم ما أرادوا باستثناء ملف إدلب و اللجنة الدستورية، حيث تغيرت السياسة التركية عند هذه النقطة من التدخل بالقوة الناعمة والحوار الدبلوماسي إلى ثنائية العمل العسكري بمواكبة التحرك السياسي مع تسليط الضوء على شرق الفرات وربط أي تغيرات جديدة في شمال السوري بمخاوفها الأمنية وانتشارها العسكري، وهو ما أغلق الباب أمام مسلسل التنازلات الذي احترفته روسيا مع تركيا في سيطرة على معظم مناطق المعارضة، لذلك استمرت روسيا في عقد أستانة تلو الآخر لضمان جلب أنقرة لطاولة التفاهمات في حال طرأت أي تغيرات جديدة على الساحة السورية مع الاحتفاظ بديباجية بيان تجتمع نقاطه على مصالح الأطراف الثلاثة.
كما يفسر خمول أستانة الأخير بتحول نقاط الصراع إلى مرتبة أعلى من كينونة الصراع بين المعارضة و النظام، حيث وضعت طهران كهدف مرحلي قادم على أجندة واشنطن وتل أبيب، من حيث إخراجها من سورية و كبح جماحها إقليمياً، لذلك تسعى روسيا للحفاظ على مواقعها في المعادلة السورية للتريث حتى تحين لحظة ذلك الانفجار، وعندها ستكون هي وريثة النفوذ الإيراني في الغالب، وستزيد من أريحية تحركها على كافة الصعد في الملف السوري، وصمت موسكو عن أزمة المحروقات التي تعصف بالسوريين ليست إلا حلقة من حلقات سيناريو الضغط على الإيرانيين.
الحاضر الغائب عن هذه الساحة هم السوريين (المعارضة والنظام ) حيث بات قطار أستانة مُستباحاً لكل من يريد الوصل إلى محطته في المنطقة بعيداً عن أي اعتبار لمصلحة سورية رغم عدم تلبية هذه المباحثات لتطلعات السوريين منذ بدايتها في تحقيق التغيير السياسي المنشود.