غسان الجمعة |
انتهت قمم السعودية التي دعا إليها الملك سلمان بن عبد العزيز بطواف المعتمر (عبد الفتاح السيسي) وببيان قمة عربية تستنكر وتشجب ضد سياسة إيران في المنطق، ويؤكد بيانها محورية القضية الفلسطينية وضرورة عدم تدخل إيران بالشأن السوري الداخلي..!
ولكن هل أربكتم إيران بذلك؟! طبعاً لا.. فقد نفذت خلال فترة التطبيل للقمة وانعقادها ضربات جديدة للسعودية عبر وكلائها في اليمن، وأسست معبراً بين العراق وسورية لتتنفس منه اقتصاديًا وتسهل حركتها عسكريًّا بشكل أكبر.
إيران اليوم لم تعد بحاجة إلى إمداد حزب الله الذي أسسته ومولته في البداية بعد أن ساعدته في تأسيس إمبراطورية لتجارة المخدرات، حيث تسهم خلية واحدة منه في أمريكا اللاتينية بضخ 200 مليون دولار شهريًّا حسب تقرير نشرته الواشنطن بوست، بينما كانت إيران تمنح الحزب هذا المبلغ عن عام كامل.
إيران ربما تعترضها اليوم عوائق اقتصادية خانقة من قبل الولايات المتحدة، لكنها في موقف يسمح لها بالجلوس في أي لحظة أمام الإدارة الأمريكية لترتيب الشرق الأوسط من جديد وفق انسجام مصالح وإستراتيجيات الطرفين، وهو ما لمَّح إليه ترامب مرارًا، طبعًا كل هذا سيكون على حساب الدول العربية وشعوبها، فأين قمة مكة من إيران؟!
يقال: “إن تعريف المشكلة هو نصف الحل” وللأسف إن ما نعانيه اليوم نحن الأمة العربية أننا لم نُشخص مشكلتنا مع النظام الإيراني إلى الآن، فبينما تغزو إيران دول الربيع العربي بوكلائها، وتحول ثرواته في العراق واليمن إلى مواكب حسينية وميليشيات تُدين بالولاء لملالي طهران، كانت دول عربية وازنة تطعن هذه الثورات بظهرها وتدعم بشكل غير مباشر سياسات إيران في المنطقة، وهو ما يتم تطبيقه اليوم في العراق، حيث تدعم الدول الخليجية حكومة العراق التي هي عبارة عن ولاية إيرانية بحجة الوقوف في وجه النفوذ الإيراني، بينما لم يوافق العراق على بيان استنكار التدخل الإيراني في المنطقة العربية في قمة مكة أمس!
وفي سورية كذلك الأمر، فقد سحبت الدول التي تدَّعي اليوم الوقوف في وجه إيران كلَّ أوجه الدعم للمعارضة السورية، بل وافتتح بعضها سفارات بلاده في دمشق كبداية تطبيع مع النظام السوري الذي هو إيران بكل الأوجه!
وفي لبنان الذي لا ينفك فيه رئيس حزب الله (حسن نصر الله) عن إعلانه لعدائه للسعودية ومن معها، تمدُّ هذه الدول يدَ المعونة للدولة اللبنانية بحجة أنها كيان مستقل موازٍ للحزب يجب دعمه، ومن جانب آخر تحتضن دول الخليج الآلاف من اليد العاملة من حاضنة الحزب نفسه في سوق العمل الخليجي، فهل هذه سياسة مواجهة عربية أم أن دول المنطقة تُنفذ سياسة دول أخرى، ولتحقيق مصالح غيرها على حسابها؟!
اليوم المعركة بين المشروعين الأمريكي والإيراني ليست في صالح أي منها أن تستعر نارها لدرجة الحرب، وكل من يعول على أن حربًا بين الطرفين ستنشب هو واهم؛ لأن كلاهما يعرف جيدًا ماذا يريد من الآخر.
فإيران ليست بوارد أن تدخل حرباً مع العرب تستنزف فيها مواردها وطاقتها وجيشها دون أن تصطدم مباشرة بالقوات الأمريكية في منطقة ما ودون أن تنهك إسرائيل معها؛ لذلك هي تحارب الدول العربية بوكلائها دون أن تغفل أي ظرف يسمح لها بالانقضاض على ما هو هدف لها بالنهاية.
كما أن الولايات المتحدة لا تريد أن تدخل في مواجهة مباشرة مع إيران، فهي بالنسبة إلى الولايات المتحدة لا تملك شيئاً لتخسره في هذه المواجهة، لا بل هي بحاجة إلى كارثة تحرق فيها ما رتبته الولايات المتحدة لها من عقوبات وأحلاف وقواعد وغير ذلك.
الطرفان يلعبان لعبة عضِّ الأصابع، وإن كانت الأسنان الأمريكية أقسى على اليد الإيرانية، لكن إلى متى سنبقى ننتظر نحن العرب صراخ أحدهما الذي سيكون في وجهنا وعلى رؤوسنا حتمًا ونحن ننساق خلف خطط الآخرين وسياستهم؟!