د. وائل الشيخ أمين / على خطى التغيير
بعد أن نجا أصحاب موسى عليه السلام من بطش فرعون وقومه فارين بدينهم، تركهم موسى فترة قصيرة وذهب ليناجي ربه سبحانه، ثم عاد إليهم فرآهم يعبدون العجل!
وعندما أكرمهم الله بأطيب الطعام (المن والسلوى) اعترضوا على ذلك وطلبوا: البقل والقثاء والفوم والبصل والعدس.
على الطرف الآخر:
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض النبي عليه الصلاة والسلام عليهم أن يعطي بعض الأعداء شيئاً من تمر المدينة ليرجعوا عن القتال فرفض الصحابة ذلك وأبته نفوسهم وقالوا: ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف.
وعندما عقد النبي صلى الله عليه وسلم الصلح في الحديبية امتعض الكثير من الصحابة حتى قال قائلهم: لمَ نعطِ الدنية في ديننا !؟
أنا هنا لا أقصد أن أشير إلا إلى ناحية واحدة فقط في المقارنة وهي الناحية النفسية.
نفسية العبودية عند بني إسرائيل
ونفسية العزة والحرية عند صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه النفسية هي المقصود بثقافة الشعوب.
عندما تعرف ثقافة شعب ما، فإنك ستعرف غالباً كيف سيتعامل مع ما يستجد لديه من أحداث
هل سيتعامل مثلاُ تعامل العبيد أم الأحرار.
عاش بنو إسرائيل قروناً من الزمان عبيداً للمصريين الفراعنة فأصبحت العبودية لديهم ثقافة يتعاملون وفقها مع كل شيء حولهم.
غاب الفرعون وبقيت الثقافة غالبة عليهم …
أما صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا عرباً قرشيين وأوساً وخزرجاً وهم من أشد القبائل عزة وأنفة.
فكان القرشيون هم سادة العرب وأعلاهم شرفاً فعندهم بيت الله الحرام وهذا الشرف ليس لأحد سواهم.
حتى في داخل مكة لم تكن تجد لقريش سيداً واحداً بل عدة أسياد، وكذلك الحال في يثرب حيث اختلف الأوس والخزرج كثيراً على سيادة المدينة بل اقتتلا عليها.
وبقيت ثقافة العزة وثقافة الحرية واضحة في سيرة الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما لم يكونوا لينقادوا له لو لم يكن نبياً مرسلاً من خالق الأرض والسماء.
ربما أدركت الآن أهمية وقوة الثقافة وطغيانها على كل ما سواها، فهي إما أن تكون قوة دافعة لنهضة المجتمعات، وإما أن تكون عقبة كؤوداً يستحيل تجاهلها ويصعب جداً تجاوزها.
لن ينفع فكر
ولن تفيد خطط
ولن تطبق استراتيجيات
ما لم تتوفر الثقافة المطلوبة.
فكيف تتشكل هذه الثقافة؟
عندما يفرض على مجتمع ما ظروف قوية لا مفر من التعامل معها فإنَّ هذا المجتمع سيقوم بالتعامل مع هذه الظروف بسلوكيات معينة، لو استمرت الظروف فترة طويلة فإنَّ هذه السلوكيات ستتحول إلى ثقافة يصعب جداً تغييرها فيما بعد.
لنأخذ على ذلك مثالاً الحالة السورية:
كان الشعب يعيش في ظل نظام الأسد حالة من الضغط المعيشي والفساد في المؤسسات وكان لا بدَّ لتسيير المعاملات عموماً من استخدام الرشوات والمحسوبيات.
حتى أصبحت المحسوبيات والواسطة بعد ذلك ثقافة غالبة في المجتمع السوري فكل الأمور تسير بهذه الثقافة
وعندما زال حكم الأسد عن المناطق المحررة بعد الثورة بقيت هذه الثقافة سائدة مع غياب الظروف التي خلقتها أول مرة.
وكذلك ثقافات أخرى كانت موجودة …
منها مثلاً الفوبيا التي كانت موجودة عند السوريين من المخابرات والتي جعلت ثقافة الشك تنتشر بينهم لتصل عند البعض لدرجة أن الأخ قد لا يثق بأخيه.
وغاب النظام عن المناطق المحررة وغابت فروع المخابرات عنها وبقيت ثقافة الشك والتخوين سائدة مع غياب الظروف التي أوجدتها.
لذلك ترى أنَّ الكثير من المؤسسات الثورية تعمل بنفس الطريقة التي كانت تعمل بها مؤسسات النظام.
يغيب الفرعون وتبقى الثقافة.
هذه هي أهمية الثقافة
لكل شعب ثقافة وكل ثقافة قوية، لكنها إمَّا أن تكون مفيدة أو مؤذية
فلو كانت الثقافة مفيدة فإنَّ كل شيء بعدها يهون
ولو كانت مؤذية فإنَّ كل شيء بعدها لا ينفع حتى تتغير.
ما هي الثقافة إذاً…
إنَّه السر المفسر لحركة الشعوب ونهضتها وتخلفها
إنَّها الحمض النووي العميق المفسر لكل ما يظهر على السطح.
فما هي الثقافة المطلوبة لبناء الأمم ولنجاح المنظمات؟ وإن لم تكن موجودة فكيف يمكن إيجادها؟.
في مقال قادم إن شاء الله.