لا غرابة .. كل ما في هذه المدينة يبدو كأنّه يستعد لليوم الموعود، فمبانيها تدك دكاً، وأهلها تصرعهم آلات الحرب وكأنّ صاحب الصُور قد نفخ فيه. يتساقطون بالعشرات كل يوم، وبالكاد يجدون وقتاً لدفن موتاهم، قبل أن تعلن طائرة ما بأسلحتها الثقيلة والمدمرة قتل المزيد من سكان هذه المدينة المنكوبة.
يختلط الدم بالخبز، أو اللبن أحياناً، فهنا قد يغدو الموت حلماً، وأنت تقاسي إلى جانبه آلام الحصار، حيث يتم استهداف الأفران ومستودعات الأغذية، وأماكن تجمع المدنيين.
لا مكان للمصابين هنا، فالمستشفيات أيضاً تعتبر هدفاً عسكرياً للطائرات الروسية، حيث يتم قتل المرضى والأطباء، لكي تتفاقم المعاناة، فكم من جريح أضحى في عداد الموتى، لأنه لم يجد من يقوم بإسعافه، وكم من معاق تسببت جروح صغيرة ببتر يده أو رجله أو كلتيهما، حيث لا طبيب يخيط الجروح ويوقف نزيفها .
أي قيامة هذه ولا عدل إلى الآن يلوح في تفاصيلها، لا شيء إلا الذبح هنا، وإن تعددت طرقه وأشكاله، لا شيء إلا الدمار والركام والأنقاض، والموت الذي يتمشى متبختراً في شوارع ما تبقى من حلب، وقد أحالها إلى قبر كبير بات يعجز عن الاتساع لمن يدخلون سجلاته كل يوم .
تستيقظ صباحاً لترى الابتسامات تملأ الوجوه، والأمل بالنصر وحكايات المعارك الغابرة، والأطفال يملؤون الشوارع لعباً وضحكاً بانتظار أن يبدأ الموت جولة جديدة، أو أن تأخذ العدالة مجراها في صباحٍ ما ..
المدير العام / أحمد وديع العبسي