علي سندة |
كأن لسان حال ترامب يقول للمُعذبين السوريين والأطراف الموجودة في الساحة السورية: “جينا وجينا وجينا جِبنا القانون وجينا، كرمال عيونك قيصر جِبنا القانون وجِينا.” لكن قبل أن نشارك ترامب (زفّة عُرس) قانون قيصر للسوريين والأطراف ونرى حقيقته، نذكّر أن (قيصر) اسم حركي لمصور سوري منشق عن الشرطة العسكرية السورية منذ عام 2013، حمل معه 50 ألف صورة وثَّق فيها 11 ألف سجين قُتلوا في سجون نظام الأسد بعد أن عُذبوا بطرق وحشية هزت العالم حين عُرضت صورهم على الإعلام، وحرّكت ضمير لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي حين عُرِضت عليهم وتم التحقق منها، وأفضت بالنهاية إلى إصدار قانون (قيصر)، الذي يُخوّل الرئيس الأميركي (ترامب) فرض عقوبات على الأشخاص الأجانب إذا وفّروا دعمًا ماليًا أو تقنيًا للنظام السوري، أو تعاقدوا معه أو مع الحكومة السورية أو مع أي من المؤسسات الرسمية أو الكيانات التي تسيطر عليها الحكومة، والغاية من ذلك جعل النظام السوري يرضخ لحل سياسي، لخَّصته أمريكا برسالتها التالية: “لا إعمار بسورية في ظل حكم الأسد، ولا بديل عن الحل السياسي.”
ربما لا يعرف البعض أن ما يُعرف بقانون (قيصر) اسمه (قانون حماية المدنيين السوريين)، والسؤال البدهي: لمَ بقي السوريون يُقتلون ويُسجنون ويُعذبون ويُهجَّرون طيلة تسع سنوات؟! ألم يكن العالم وأمريكا خاصة تسمع وترى ما يحدث؟! أي حماية للمدنيين بعد إعادة تشكل الخريطة السورية وتقلص حصة المعارضة على الأرض خلال تلك المدة وثباتها تقريبًا؟
تتجلى حقيقة الأمر بأن قانون (قيصر) ليس إلا ورقة أمريكية جديدة دخل بها ترامب ساحة النزال على الأرض السورية، يريد بها المزيد من المال بعد أن استفرد بالنفط السوري من خلال مليشيا (قسد)، بل إن قانون قيصر سلاحُه الذي حضَّره وطبخه زمنيًا للمواجهة الاقتصادية في السيطرة على إعادة إعمار سورية، أمام روسيا وإيران اللذين هما أكبر داعمين ويريدان الحصة الأكبر، فضلًا عن مواجهة التنين الصيني الذي ينتظر إعادة الإعمار لقاء مرات (الفيتو) الذي أوقف به عدة تحركات دولية ضد الأسد.
إن لعبة ترامب الاقتصادية التي يحترفها كونه تاجر عودنا على صراحته بعبارته الشهيرة : “لم نكن منتبهين من قبل إلى النفط السوري” تُلقي الآن بثقلها على كل الأطراف التي تدعم نظام الأسد بشكل أو بآخر من خلال بدء سريان قانون (قيصر) يوم 17 حزيران الجاري، فالإمارات التي أنهت التطبيع مع الأسد وموّلت حملاته على إدلب وفتحت سفارتها بدمشق، باتت في عين العاصفة إما أن تواجه العقوبات، أو تذعن وتُوقف نشاطها، وكذا الحال بالنسبة إلى لبنان وإيران وروسيا، كأن ترامب يقول لكل الأطراف إن كل العقود والاتفاقيات التي وقعتموها مع الأسد لا قيمة لها أمام قيصر، فإما أن نتفق على تقاسم سورية اقتصاديًا وسياسيًا أو تحمَّلوا العواقب وانتظروا إني معكم من المنتظرين، وما يؤكد فرضية ترامب السابقة بنود قانون قيصر نفسه، حيث إنها كلها متعلقة بالاقتصاد بشكل أو بآخر، والقائمة الأمريكية الأولى صدرت وفيها عقوبات لـ 39 شخصًا وكيانًا، منتفعين اقتصاديًا وينتمون لأطراف متعددة.
إن تداعيات قانون قيصر الاقتصادية على الأطراف فضلًا عن الصراع القائم بينهم للسيطرة على الأرض السورية وتعزيز النفوذ على حساب بعضهم البعض، وضعهم جميعًا في خانة واحدة هي مواجهة العاصفة الاقتصادية الكبرى على سورية ودولهم، وصاروا في معادلة صعبة إما التخلي عن ورقة الاقتصاد في سورية والاستسلام لحوت المال (ترامب) أو المواجهة الخاسرة فعليًا وتحمل العواقب، فالليرة السورية وصلت إلى مستويات متدنية أمام باقي العملات الأجنبية مع تنبؤ باستمرار تدهورها، تزامن ذلك مع فقدان للسلع والدواء في الأسواق السورية، وحدوث اختناق اقتصادي حرَّك الشارع الموالي، فخرجت مظاهرات السويداء التي ما تزال مستمرة، ورأينا احتجاجات في اللاذقية وحماة، وتابعنا صراع مخلوف والأسد الاقتصادي..، فإلى أي مدى سيستمر ترامب بلعبته الاقتصادية التي يفضلها ويتقنها باسم حماية المدنيين لمواجهة باقي الأطراف؟!