المجتمع السوري مليء بالإيديولوجيات المختلفة التي من الممكن أن تكون متضاربة مع بعضها البعض وتتخللها صراعات صفرية، فكل جهة تحسب نفسها هي الجهة الأصح فكراً وعملاً من بين نظائرها، وتحسب نفسها أنها الأكثر إخلاصًا في مشروع بناء البلاد وتحقيق نهضة فيها، وفي الوقت نفسه هي قادرة على توحيد جهودها لأجل الوطن.
في الحقيقة، وبعد حرب لمَّا تنهِ بعد مضى عليها ثمان سنوات، لم تعد مسؤولية إعمار البلاد مسؤولية إيديولوجيا ثورية محددة، إنما هي مسؤولية ملقاة على عاتق المجتمع السوري بكل أفراده ممن يحملون قضية واحدة تهدف لرفع الظلم وتحقيق الحريات المنشودة، لذلك يتطلب من الجميع امتلاك جملة من القيم التي تجعل من الفرد السوري فردًا بانيًا لمجتمعه بصرف النظر عن الانتماءات التي تتبعها جماعته.
إن الإيمان بالقضية وبفكرة البناء ورفع الظلم غرة تلك القيم التي حتمًا يلتقي عندها كل سوري، فإيمان كل مكونات المجتمع بضرورة التغيير والنهوض بالبلاد سيجعل من أفراد المجتمع موظفين ضمن مؤسسة البناء، فلتكن تلك الخطوة هي الأولى من مرحلة الفكرة الباعثة للتغيير إلى تطبيقها عمليًّا كل فرد حسب اختصاصه.
كذلك فإنه من الضرورات المُلزمة لبناء المجتمع السوري أن يسعى كل فرد فيه لمواكبة الحياة وإيجاد مساحات في التفكير تساعد على الالتقاء عند كل شيء إيجابي بين كل المكونات وذلك للتغلب على التفكير النمطي القائم على اكتفاء المرء بما يستطيع فعله وعدم قراءة التجارب قراءة تحليلية لأنها بعيدة عن انتمائه، لذا فإن مجتمع أصحاب التفكير النمطي يعاني من مشكلة مجاراة الأجداد وتقليدهم دون النظر إلى الزمان والمكان الحاليين مما يؤدي إلى تكلس الحياة.
إن الحرية بمفهومها القائم على امتلاك الشخص لذاته ولقراراتها دون التأثير الخارجي عليها من أولى القيم التي وجب التنويه لها؛ لأنها وببساطة تحرر الفرد من قيد الإيديولوجيات المختلفة التي تمنعه من التشارك مع باقي مكونات مجتمعه للعمل ضمن مشروع البناء والتطوير، وإن الحرية مرتبطة ارتباطًا دائمًا مع كرامة الإنسان وهذه الكرامة إذا ما شملت كل المجتمع لأفشلت كل المحاولات الساعية لإسقاط مكانته وعرقلة تطوره.
النفس الإنسانية تمر بالكثير من المنعطفات والمواقف التي من الممكن أن تحدث خللاً أو تخريبًا فيها، لذلك على الإنسان إصلاحها وتربيتها على التشارك والتآخي مع أبناء المجتمع لإنشاء بوتقة تعمل على البناء والرقي ضمن ما هو مشترك وترك الأشياء الخلافية ربما إلى مرحلة أخرى غير مرحلة البناء في البدايات.
لا شك أن المجتمع مليء بالتجمعات ذات الانتماءات المختلفة التي تسعى لتحقيق إنجازات على مستوى المجتمع ككل لتصدير أفكارها ومشاريعها على أنها الأصح بين كل التكتلات المنافسة لها، ويتخلل تلك المنافسات محاولات إسقاط الفرد للفرد الآخر والظهور بدلاً عنه، وإن كثرة المشاريع التي تفيد المجتمع وتتولد لاحتياجاته أمر مهم للغاية، لكن العمل على هذه المشاريع يجب أن يكون بصورة تكاملية لا تنافسية إسقاطية.
لذا يجب أن تكون كل مكونات المجتمع بمختلف الانتماءات والتوجهات تلتقي عند كل شيء مشترك لأجل بناء سورية والنهوض بها؛ لتعزيز كل قيم المواطنة لدى الفرد السوري ودفعه للعمل على الإصلاح.