منذ أن سقطت الغوطة الشرقية في يد قوات النظام، وبعد المصالحة التي جرت في درعا، أصبح الناس في إدلب وما يحيط بها لا شيء يشغل بالهم ولا حديث لهم إلا حال ما تبقى من المناطق المحررة، هل ستكون إدلب وجهة النظام القادمة؟! هل سنصالح بعد كل تلك الدماء؟ هل سندخل في رعاية تركية إلى أجل غير محدد؟
أسئلة كثيرة مفتوحة تكوي الناس بنارها، ويزيد من اشتعال النار شائعات تبثها بعض وسائل الإعلام والتواصل عن نية الأسد بحرق ديار الإرهاب كما يزعم.
وكحال أي إنسان يسوده الضعف وتتحكم بمصيره قوى عظمى، فإن الإحباط والعجز واليأس، هي المشاعر التي تسيطر على حياتنا الراهنة، وتزيد من قلق الإنسان المحاصر بالشائعات والترقب وانتظار مجهول لا يعرف تفاصيله.
معظم الناس اليوم أسرى لمنصات إعلامية تحمل خبرًا مطمئنًا مفرحًا، والكثير منهم ينتظر بارقة أمل تفتح له بابًا جديدًا للحياة، مع أن الحياة لم تغلق أبوابها في وجوهنا، والله تعالى يتجلى علينا في كل لحظة برحمته ولطفه وعنايته بنا، وإذا كان الله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فلماذا نكلف أنفسنا مالا نطيق؟!
نغرق في بحر الخوف من القادم ونكبل أيدينا خلف ظهورنا ننتظر فرجًا قريبًا، والله يدعونا للثبات على المبدأ ونصرة الحق ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، والإسلام يدعونا للعمل والتوكل على الله في كل أمر سواء كان صغيرًا أو عظيمًا.
(إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، ينسحب هذا القول العظيم للنبي الكريم على كافة تفاصيل الحياة، فالطالب يتابع تعليمه، والأم تتابع شؤون بيتها، والأب يجتهد في قوت عياله، والعامل يتقن عمله، والقائد والمعلم والمرابط والرئيس والمرؤوس وكل أفراد المجتمع يتفاءلون بالخير وينشطون في كل مناحي الحياة التي أكرمنا الله بها.
حالة اليأس والكمد التي نمرُّ بها ليست مبررًا للاستكانة والاستسلام للشائعات الإعلامية المحبطة، والأجدر بنا في حال الخوف واشتداد الكرب أن نشد من عزيمتنا فيكون كيد أعدائنا دافعًا قويًّا لنا للتمسك بالمبادئ والأفكار التي ننشدها.
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فزادهم إيمانًا) الثبات على المبدأ يتجاوز الزمان والمكان، فالمبادئ لا نهاية لها ولا زمن محدد يحيط بها، كما أن المكان ليس هو قصد ما ننشده، فالمطالب لم تكن من أجل حلب أو درعا أو حمص وإدلب، بل كانت وستبقى من أجل الإنسان، من أجل كرامته وحريته، من أجل رفع الظلم وإعلاء راية الحق وتحقيق المساواة والعدالة بين كل أفراد الشعب.
مطالبنا مشعل نور في وجه ظلام الفساد والقتل والتعذيب وسرقة الأموال وتدمير البلاد، مطالبنا قد لا نقطف ثمارها الآن، لكن الجيل القادم سيقطف ثمارها وينعم بخيراتها إن استمرت وعاشت في نفوسنا.
وطالما كان هدفنا بناء جيل يرفع صوته في وجه الظلم، فإن القيم والثوابت لم ولن تموت، واستمرارها مرهون بثباتنا وعزيمتنا، وإن خسارة أجزاء كبيرة من المناطق المحررة لا يعني خسارتنا، فالسوري الحر موجود في كل زمان ومكان، إذ لابد للقيد أن ينكسر ولا بد للنور من الشروق بعد الظلام.